استمرار إرث عون، ومنظومة لبنان الحاكمة، سيكون استمرار النهب الذي لن يتوقف لأي أموال سيجنيها لبنان من حقول الغاز المفترضة تلك.
سيتذكر لبنان كيف ساهم عون والنخبة الحاكمة في تهشيم الاقتصاد وتدمير المالية العامة للدولة، وسرقة أموال المودعين، وانفجار مرفأ بيروت.
ساهم عون 3 مرات، من أصل 6، في خلق أزمة فراغ رئاسي والسعي لـ«إنجاز» آخر يخلّده أي خلق أزمة فراغ حكومي، بإعلانه قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال!
* * *
يلخّص خروج الرئيس اللبناني ميشال عون من القصر الجمهوري، أمس، الموقفين الرسمي والشعبي منه، فقد اقتصر المودعون على بعض الموظفين، و«حشد» من أنصاره الذين أدخلوا القصر لتخفيف وطأة المشهد المحرج، ووضعت لهم خيام، في عودة ترمز لإقامته هناك قائدا للحكومة العسكرية التي رأسها، بعد حصول شغور رئاسي سابق، عام 1988، وبذلك يكون عون قد ساهم ثلاث مرات، من أصل ست مرات، في خلق أزمة فراغ رئاسي جديدة، والسعي أيضا، إلى «إنجاز» آخر يخلّده، وهو خلق أزمة فراغ حكومي، بإعلانه قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال!
سيتذكر اللبنانيون هذا المشهد، وهو سيذكرهم أيضا بمشهد آخر لا يمكن أن يغادر ذاكرة اللبنانيين، وقد حاولت صحيفة لبنانية تخليده، على طريقتها، عام 2021، حين نشرت على صفحتها الأولى صورة متخيلة لعون ذيلتها بعبارة: «اللباس الرسمي للجنرال بمناسبة ذكرى تشرين 1990» في إشارة إلى الحادثة التاريخية المؤسفة لهروب عون بالبيجاما إلى السفارة الفرنسية في ذلك العام، بعد تدخل عسكري لقوات النظام السوري ضده.
يكشف المشهدان، في الحقيقة، عن أهم طبائع الرئيس عون، وهو السعي المحموم للسلطة، ولو كلفه الانتقال من التهديد بتكسير رأس حافظ الأسد خلال ما سمي بـ«حرب الإلغاء» بين عامي 1989 و1990، إلى زيارة دمشق، للقاء بشار الأسد، كزعيم لأقليته النيابية عام 2008، لتكريس تحالف سياسي مع النظام السوري وحلفائه اللبنانيين، مما مكّنه من الوصول عام 2016، إلى كرسي الرئاسة، بعد المشاركة في فرض فراغ رئاسي دام 29 شهرا.
تبديل التحالفات، على أية حال، هو أمر مألوف في سياسات الدول والأحزاب، إذا كان المطلوب منه تأمين مصالح اللبنانيين، لكنه في حالة عون، كان دائما، اعتبارا من عون أن مصالح البلاد والعباد تتجسد في شخصه، وصولا، في حال الفراغ المستجد، إلى تجسدها في شخص صهره جبران باسيل، الذي أورثه حزبه، «التيار الوطني الحر» على أمل توريثه البلاد التي أنجز، خلال عهده رئيسا لها، جملة من الكوارث الاقتصادية والأمنية، وهو يبدو، بنهجه هذا، حريصا على استمرار تلك الكوارث، وانعدام أي أفق لخلاص اللبنانيين منها.
في كل ما يفعل أو يقول، يُظهر عون تمركز المسائل حول شخصه، والتي انتقلت، بالوراثة، إلى شخص صهره، وكان من آخر تصريحاته الدالة على الأمر قوله مخاطبا اللبنانيين: «أنتم معي وأنا معكم» كما أعاد التأكيد على الأمر، وكان أكثر صراحة وفظاظة في التصريح الأخير الذي قال فيه: «دائما بيحطوا الحق (يحمّلون المسؤولية) على باسيل، وإذا تفركش (تعثر) واحد بيقولوا الحق على باسيل» وهو التصريح نفسه الذي أقال فيه الحكومة التي كلف بتشكيلها!
في خطابه الأخير، استشهد الرئيس اللبناني بقول الإمام علي «الحق لم يترك لي صاحبا» وهو قول لا يتناسب البتة مع إرث الخراب، وتبديل المواقف، والشخصنة، والفساد، الذي طبع تاريخ عون بطابعه.
سيتذكر اللبنانيون طبعا، الهمة الكبيرة التي انتابت رئيسهم، وأدت إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو عمليا، اعتراف من عون شخصيا، وحلفائه، ومن منظومة الحكم اللبنانية، بملكية إسرائيل لحقل كاريش وجزء من حقل قانا لاستخراج الغاز.
كما سيتذكرون معها، كيف ساهم عون، والنخبة الحاكمة، في تهشيم الاقتصاد اللبناني، وتدمير المالية العامة للدولة، وسرقة أموال المودعين، وانفجار مرفأ بيروت، وهو ما يعني، في مجمله، أن استمرار إرث عون، ومنظومة لبنان الحاكمة، سيكون استمرار منهج النهب الذي لن يتوقف لأي أموال سيجنيها لبنان من حقول الغاز المفترضة تلك.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: