بقلم: عبد الرحمن الراشد
في إحدى المدن السورية المجاورة لحماه وجه الأهالي نداءات إغاثة، حيث إن الجثث بقيت في الطرقات لثلاثة أيام، وجيش النظام الذي يرابط هناك بأكثر من مائة مدرعة، يمنعهم من نقلها ودفنها. وفي دوما دعا الأطباء إلى تدخل دولي لمعاينة الوضع، حيث يشتبه في ظهور أوبئة خطيرة، أيضا بسبب انتشار الجثث واستمرار قصف الأحياء المدنية، حتى اضطر معظم سكان المدينة إلى الفرار.
هذه الحالات اليومية، ومعظمها مصور وموثق، تزيد الضغط ليس على الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كل ما يزعجه في جرائم قواته أن تؤثر صورها المروعة على الإنترنت على أطفاله الثلاثة، كما قال لإحدى وسائل الإعلام التركية! هذه الجرائم التي يطالعها ملايين الناس في المنطقة كل مساء تزيد الضغط على حكومات المنطقة وقوى المجتمع المختلفة. ويشعر الجميع بالغضب لأن الشعب السوري يستغيث من الإبادة منذ أكثر من عام ونصف العام وليس من مغيث. ومن يعرف المناخ العام هناك، يدرك في أي اتجاه تهب الريح؛ فهي تهب نحو نقمة شعبية عارمة. ومن المؤكد أنه في ظل هذا اليأس والغضب المتنامي هناك لن يقف الشعب مكتوف الأيدي بسبب عجز حكومات المنطقة. وما يزيد الاحتقان استمرار الجامعة العربية في التغطية على جرائم نظام الأسد، ولم تفعل شيئا نافعا سوى طلب وقف بث محطات النظام السوري على الأقمار الصناعية العربية، وحتى هذا القرار التافه لم ينفذ!
نظام بشار الأسد يتآكل من الداخل، والشواهد كثيرة، لكن حتى نصل إلى نقطة الانهيار، ربما نهاية هذا العام، تكون المواقف الرسمية العربية قد تآكلت وشبع الناس منها حتى كرهوها. وهذه المواقف الرسمية المتفرجة ستجد نفسها محاصرة غدا بظهور جماعات جهادية تركب موجة الغضب الشعبي والنقد ضد الأنظمة.
المواطن العادي لا يفهم القانون الدولي لكنه يشعر أن إبادة شعب أمر لا يمكن السكوت عنه. عام ونصف العام من القتل والتدمير والإبادة أمور لا يمكن للقانون الدولي أن يمنع التدخل لوقفها. ولا يعقل أن تسكت نحو عشرين دولة عربية، فقط لأن روسيا والصين تستخدمان حق «الفيتو». ولا يعقل أن تقبل أغلبية أعضاء الجامعة العربية الرضوخ لحكومات دول على رأسها الجزائر وموريتانيا والسودان والعراق، وتمتنع عن التدخل المباشر أو الدعوة إليه. ولا يفترض أن يغرر بنا الأمين العام للجامعة العربية عندما يستخدم عبارة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويقصد بها المادة 41 من الفصل السابع التي تجيز استخدام كل العقوبات، باستثناء القوة العسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية. وفي حال فشل هذه العقوبات يرجع الجميع لمجلس الأمن مرة أخرى، لطلب تنفيذ الفصل السابع في إطار المادة 42 التي تجيز استخدام القوة، الأمر الذي استخدمت روسيا والصين «الفيتو» ضده. وبالتالي الحديث عن الفصل السابع هنا خداع لغوي، نجح فقط في منح نظام الأسد المزيد من الوقت لقتل الآلاف من السوريين العزل. أيضا، لا يفوتنا فهم ما قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، قبل أيام مضت، أن عناصر من «القاعدة» عبرت الحدود العراقية إلى داخل سوريا. بدا الوزير مجبرا على قول هذا التصريح المضحك، لأن «القاعدة» لا تحتاج للانتقال من العراق إلى سوريا، فهي جاءت أصلا من سوريا. يبدو أن الوزير زيباري أجبر على قوله عقابا له من قبل حكومته المؤيدة للأسد؛ لأنه تجرأ وأعلن الأسبوع الماضي أن ما يحدث في سوريا جرائم يرتكبها نظام الأسد ضد المدنيين العزل.
في الداخل السوري، حرب الإبادة مستمرة بلا هوادة ولا حدود لها، تطال التجار بالقتل ونهب محلاتهم عندما يغلقونها إضرابا واحتجاجا، وتطال حتى مشيعي الجنازات، حيث يقتل كل من يسير وراءها، وتطال نجوم المجتمع ورموزه تخويفا. وتلاحق قوات الأسد حتى الرياضيين الذين يتبنون مواقف معادية لها؛ فقد أعدمت ميدانيا، أمام الأهالي، قبل أيام، لاعب كرة من نادي النواعير حسام أبو علو. واحتجاجا على جرائمها أعلن لاعب منتخب سوريا فراس الخطيب رفضه اللعب. وكانت قوات النظام أطلقت سراح الملاكم العالمي أحمد وتار بعد سجنه عقابا له على موقفه المعارض لها.
النظام محاصر، والمزيد من قوى ورموز المجتمع تتمرد عليه، من قيادات عسكرية إلى مشاهير الرياضة، والمظاهرات تزداد ولا تتراجع على الرغم من هول التنكيل، ففي العاصمة دمشق سجلت 46 مظاهرة يوم الجمعة الماضي؛ لهذا فإن دعم الشعب السوري لن يحقق إلا نتيجة واحدة، ليست إسقاط النظام، فهذه مؤكدة، بل التعجيل بإسقاطه واختصار زمن المعاناة والدم.