لا التطرف ولا الفساد يضعفان شعبية نتنياهو.. لماذا؟

محرر الرأي9 يناير 2019آخر تحديث :
ظن المطبعون

لا التطرف ولا الفساد يضعفان شعبية نتنياهو.. لماذا؟

  • تؤجج أميركا وإسرائيل الصراع الإقليمي الأكثر فظاعة لتكريس زعامة أسطورية لنتنياهو.
  • «السلام» الذي أرادته إسرائيل منذ زمن إدامة احتلالها للمناطق الفلسطينية مقطّعة الأوصال.
  • بنى نتنياهو لحكوماته برنامجاً واحداً قوامه طيّ كل ما يتعلق بـ«السلام» والتفاوض عليه، وفرض الاستيطان كعقدة دائمة.

 

بقلم:عبد الوهاب بدرخان

تقرأ أو تسمع كلام ساسة اليمين الإسرائيلي في صخب الاستعداد للانتخابات المبكرة، فتستنتج أن الجميع يريد طيّ صفحة بنيامين نتنياهو، وكلما ظهرت نتائج استطلاع للرأي يتبيّن أن الرجل لا يزال الأكثر شعبية عند الإسرائيليين، ما السرّ؟

التفسير الأول: أنه استطاع أن يوطّد الأمن، وينطوي ذلك على توحشه في قمع الفلسطينيين وقهرهم.

التفسير الآخر: أنه ضابط إيقاع اليمين الإسرائيلي المتطرف، باعتبار أنه الوحيد المخضرم بين أقطاب حكوماته، ولا يمكن لأفيغدور ليبرمان أو نفتالي بينيت أو حتى تسيبي ليفني تبوء الزعامة ولعب الدور نفسه.

التفسير الثالث: أنه قاد خطة تعطيل عملية السلام مع الفلسطينيين، وتمكن من اقتياد ثلاثة رؤساء أميركيين إلى هدفه، هذا سواء بالتواطؤ مع صهاينة «المحافظين الجديد» أيام جورج دبليو بوش، أو بالممانعة إلى حدّ الإهانة مع باراك أوباما، وصولاً إلى دونالد ترمب المحاط بيهود أميركيين ليكوديين أو بإنجيليين أكثر ليكودية.

بنى نتنياهو لحكوماته والائتلافات التي شكّلها برنامجاً واحداً، قوامه طيّ كل ما يتعلق بـ «السلام» والتفاوض عليه، وفرض صيغة الاستيطان كعقدة دائمة أمام أية مبادرة أميركية أو غير أميركية لإحياء التفاوض مع الفلسطينيين، واستغلال الجمود للتوسع في فرض وقائع على الأرض في القدس أو في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

وذلك وصولاً إلى محاولة منع الأذان، وتحويل المستوطنين إلى عصابات موازية للشرطة والجيش، وإطلاق العنان للكنيست لـ«تشريع» ما لا يُعقل تشريعه من سياسات التعصب و«الأبارتهايد» – نظام الفصل العنصري.

وها هو يستعد لتشريع الفساد بتحدي القضاء، عبر ترهيب مكشوف للمستشار القانوني بتحطيم ضريح والده، أو بالإعلان الواضح والصريح بأنه لن يستقيل في حال وجّه إليه الاتهام في قضايا الفساد الثلاث المسجلة ضده، متجاهلاً موشيه كاتساف وإيهود أولمرت، الذين دخلا السجن بتهم مماثلة لكن أقل أهمية.

إذا كان نتنياهو الفاسد المتطرف هو الأكثر شعبية، ومن المؤكد أنه سيعاد انتخابه وتصعيد حزبه «ليكود»، ليبقى في قيادة الحكم، فهذا يعني ببساطة أن الناخبين يؤيدون مساره ونهجه، ويرونه على صورتهم ومثالهم، ولا يغفرون له فساده فحسب، بل أيضاً سوء أوضاعهم الاقتصادية.

قيل إن الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، هي التي دفعت الإسرائيليين إلى التطرف، ثم قيل إن حروب غزة المتتالية عمّقت تطرفهم، وفرّخت أحزاباً كثيرة على يمين «ليكود»، لكن القلق الأمني المضخم بات السلعة التي تبيعها تلك الأحزاب، لتحجز لنفسها مكاناً في المشهد السياسي.

فالمعركة الانتخابية تدور عموماً في إطار اليمين، إذ لم يعد اليسار سوى بقايا ديكور قديم، بلا أية أطروحات تميّزه أو تقدمه بديلاً عن التغوّل اليميني.

يبقى أن دونالد ترمب هو الجائزة الكبرى التي استحوذ عليها نتنياهو، فكل رؤساء الحكومات قبله تمتعوا بدعم الحليف الأميركي، أما هو فحظي برئيس وصهره المشتبهَ بفسادهما أيضاً قضائياً لكن المتجندان لتحقيق أحلامه، من «القدس عاصمة» ونقل السفارة، إلى تمزيق أية تعهدات أميركية سابقة للعرب أو للفلسطينيين، إلى رمي «حل الدولتين» أو «الدولة الواحدة» والتمهيد لـ«السلام» الذي أرادته إسرائيل منذ زمن، بإدامة احتلالها للمناطق الفلسطينية مقطّعة الأوصال. تعلم واشنطن وكذلك إسرائيل أن هذا ليس سلاماً، لكنهما تريدان فرضه بالقوة.

ومع تقدم الكونغرس والإدارة، خطوة خطوة نحو الاعتراف بالجولان السوري «إسرائيلياً» وغير محتل، فإنهما ترتكبان تأسيس الصراع الإقليمي الأكثر فظاعة، لكن ما يهمّهما أكثر هو أن يكرّسا زعامة أسطورية لنتنياهو.

* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني

 

المصدر: العرب – الدوحة

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة