بقلم: أكرم البني
“الصديق وقت الضيق” هو أشهر الأمثال الشعبية التي تؤكد معنى الصداقة وضرورتها في المصاعب والمحن، المعنى الذي للآسف لم يظهر عند من يسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، فليس من معاناة أشد اليوم مما يعانيه هذا الشعب المنكوب، وليس من لحظة تلح فيها حاجته للدعم والمساندة أكثر من اللحظة الراهنة!
لقد حيرت السوريين سياسات الحكومات المهتمة بشأنهم، ذلك أنها أوحت، بعد أن تكرس توغل النظام في لغة العنف والتنكيل، بأنها لن تترك الشعب الثائر وحيدا في الميدان، وأنها ستكون جزءا من الحل كما حصل في الثورات العربية الأخرى، لكن الأمر بدا على العكس تماما وظهرت مفارقة غريبة حين أصبح المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية، جزءا من المشكلة وسببا في استمرارها وتفاقمها.
لم يقرن أصدقاء الشعب السوري أقوالهم بأفعال، ثمة صرخات كثيرة منددة بالقمع واستنكارات وإدانات بمختلف اللغات لكنها لم تتجاوز برودة الكلمات، أحيانا من باب رفع العتب، وأحيانا لامتصاص الضغط الأخلاقي الناجم عن مشاهد مروعة لا يحتملها عقل أو ضمير، وأحيانا كي لا يذكر التاريخ أن الإنسانية لاذت بالصمت بينما آلة الموت والدمار تعمل بأقصى طاقتها.
لماذا تترك سوريا لهذا المصير المرعب؟! وإلى متى سيبقى العالم كأنه لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على الفتك اليومي، دون أن يتحرك جديا لمنعه، أو على الأقل للتخفيف منه؟! ألا تستحق صداقة الشعب السوري ردا لوقف نزيف الدم المستمر ولعب دور إنساني بسيط في حماية أرواح المدنيين؟! أولم يفسر ما قاله الرئيس أوباما عن خط أحمر يستدعي ردعا في حال استخدم النظام أسلحته الكيماوية، بأنه ضوء أخضر لاستخدام كل وسائل الفتك دون هذا المستوى؟! وهل يعتقد أصدقاء سوريا أن حججهم وذرائعهم لتبرير سلبيتهم يمكن أن يصدقها أحد، وأنهم على كثرتهم وما يملكونه من قوة ونفوذ لا يستطيعون محاصرة الموقف الروسي أو فرض حل ينهي العنف ويكرس مطالب الناس؟!
هم يتذرعون مرة بمجلس الأمن العاجز عن اتخاذ قرار موحد ويمنحونه قدسية لا يستحقها، مظهرين إصرارا على العمل من خلال مؤسسات الأمم المتحدة واحترام قراراتها ومبادراتها، وكأنها صارت الهدف والمعيار وليس دورها في حفظ الأمن وحماية أرواح المدنيين، دون أن ننسى أن دول الأطلسي أو روسيا نفسها أقدمت على لعب دور حاسم في بعض بؤر التوتر العالمي وضربت عرض الحائط بصيغ وقرارات مجلس الأمن.
ومرة عبر المبالغة بخطر تسلل جماعات «القاعدة» إلى بلاد الشام وسعيها لقطف ثمار الحراك الشعبي، وكأن استمرار المعارك ولغة السلاح وهذا الفتك المروع ليست العامل الأهم في جر مختلف أنواع المتطرفين إلى الساحة السورية بصفتها الفرصة الأهم لوضع برامجهم موضع التنفيذ.
ومرة بإلقاء اللوم على العمل المعارض والادعاء بأن تفككه وتشتت رؤيته السياسية يعيقان تقدم الموقف الدولي، وإظهار الخشية من بديل مقبل يهدد الاستقرار في المنطقة وحقوق الأقليات، ونسأل أين توفر نموذج لمعارضة موحدة ومتماسكة في بلدان استدعت دورا أمميا؟ وهل قبض الشعب السوري غير الريح بعد أن توصلت المعارضة إلى توحيد خطابها وأهم قواها؟ ونسأل أيضا ألا يهدد ما وصلت إليه سوريا اليوم استقرار المنطقة وقد باتت باعتراف الجميع ساحة اضطراب مفتوحة، تصدر الأزمات ومئات آلاف المهجرين؟
فأي صداقة للشعب السوري حين يستمر هذا الصمت الشعبي والرسمي المريب تجاه فتك وتنكيل لا يعرف حدودا، أو حين يتأفف البعض من زيادة أعداد اللاجئين على أراضيه مستسهلا معاملتهم معاملة لا تليق بالبشر، أو حين يغدو المواطن السوري غير مرغوب في بلدان «أصدقائه» وتحاصره العيون بارتياب، أينما ذهب وأينما حل؟
إن من يدعون أنهم أصدقاء الشعب السوري لا يقدمون له سوى الدعم اللفظي والتغني بشجاعته وبعض الوعود الخلبية، ولا يغير من هذه الحقيقة حدة هجومهم على الموقف الروسي وعلى أشكال الدعم الإيراني، ولا تكرار المطالبات برحيل النظام، ولا تشديد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد أهم الشخصيات السلطوية، ووضع ثقلهم وراء محاسبتها على ما ارتكبته.
في المقابل أثبت أصدقاء النظام السوري صداقتهم له، وكانوا جادين في تقديم كل أسباب الدعم، السياسي والعسكري والمالي، لاستمراره، فساعدوه على تعطيل جميع المبادرات العربية والدولية لمعالجة الأزمة وتفريغها من محتواها القائم على تغيير النظام وإرساء مرحلة انتقالية تقوم على أسس ديمقراطية، واستخدموا الفيتو ثلاث مرات ضد أي قرار يدين العنف السلطوي، وساهموا في إجهاض مختلف المبادرات العربية والدولية، ثم منحوا النظام المهل لتصعيد ممارساته القمعية التي وصلت حد العقاب الجماعي وتدمير المدن والأحياء بشكل عشوائي، وعملوا على تغطية أفعاله وتبريرها بتبني روايته عن عصابات مسلحة وقوى إرهابية سلفية تنفذ مؤامرة خارجية تستهدف دوره الممانع!
التغيير مقبل والمسألة مسألة وقت، هي عبارة يكررها أصدقاء الشعب السوري لحجب زيف سياساتهم ومواقفهم، وتاليا، رغبتهم بعدم استعجال الحسم، ما يشعر السوريين بأن وراء هذا التعاطي مع محنتهم، تقف رغبة خفية ومضمرة بترك الصراع مفتوحا لأقصى مدة ممكنة، كأن هؤلاء الأصدقاء يريدون لصديقهم أن يدمر بلده تدميرا ذاتيا وأن يعيش في دولة منهكة ومفككة، أو كأنهم ينفذون من حيث يدرون أو لا يدرون خيارا طالما حلمت به إسرائيل في إيصال هذا البلد إلى حالة من الإنهاك والاهتراء تشغله عنها، أو كأنهم يريدون استنزاف عدوهم الإيراني على حساب دماء السوريين ومستقبل أجيالهم، دون أن يتكبدوا أي عناء.
ليس من بلد نضجت فيه الدوافع الأخلاقية والقانونية لفعل أممي حاسم يوقف العنف المفرط كما سوريا، وليس من شعب حفز شروط التغيير بقواه الداخلية الصرفة ودون عون «الأصدقاء» وأبدى استعدادا لدفع أغلى الأثمان من أجل نيل حريته وكرامته، كما الشعب السوري.