كيف يقبل شخص على نفسه أن يمدح وتكتب فيه المقالات والتحليلات وهو يعرف أنهم كذبة ودجالون؟
قيل: الذنب الوحيد الذي لا يمكن غفرانه هو النفاق، فتوبة المنافق هي في حد ذاتها نفاق آخر.
أمامك فرصة أخيرة قبل أن تخرج تقبض روحك، تب وتوقف عن الرقص على جميع الحبال، ولا تمت وفي رقبتك شهادة زور.
* * *
بقلم: علي سعادة
أستغرب أحيانا من حجم التملق والنفاق للسلطة ولشخوصها، واستغرب أكثر كيف يمر مثل هذا النفاق المبالغ الذي يبعث على الغثيان والقيء على شخصيات يفترض أنها تمتلك حسا ووعيا يمنعها من قبول هذا النفاق الذي يحمل ذما أكثر مما يحمل مدحا.
نفهم أن من ينافق يريد تحقيق بعض المكتسبات وأن يحول قلمه وعموده الصحافي إلى باب للتكسب والاسترزاق، لكن كيف يقبل شخص على نفسه أن يمدح وتكتب فيه المقالات والتحليلات وهو يعرف أنهم كذبة ودجالون، سيحولون البندقية إلى الكتف الأخرى في أقرب مناسبة يخرج فيها من السلطة!
في إحدى الدول العربية افتتح رئيس الدولة البرلمان ولم يقل سوى: “باسم وعلى بركة الله نفتتح الجلسة”، في اليوم التالي ضجت الصحف بالتحليلات والمقالات والافتتاحيات التي تحدثت عن حكمة هذا الزعيم وعن مفاهيم الديمقراطية والإصلاح التي خرجت من فكره النير.
أحيانا يصرح رأس الدولة بتصريحات لا تتجاوز 200 كلمة وفي اليوم التالي يسال أكثر من 20 ألف كلمة مديحا، وعادة تأخذ الـ200 كلمة أقل من ربع صفحة مع الصور والعناوين، لكن الصحف تمنحها نصف الصفحة الأول، وصفحة في الداخل مع عناوين عدد كلماتها ضعف عدد كلمات التصريح نفسه، وصفحة آراء مع “نخب” حول الحكمة التي قيلت.
تذكر على نطاق واسع حكاية مروية على لسان أبو نواس أنه صادف الخليفة وهو يحمل زجاجة خمر، فسأله الخليفة حتى يمتحنه: ما هذا يا أبو نواس؟ قال له: لبن يا أمير المؤمنين، قال الخليفة: وهل اللبن أحمر؟! قال أبو النواس: لقد احمرت خجلا من رؤياك يا أمير المؤمنين.
وهذه حكاية تختصر قصة النفاق من رأسها حتى أخمص قدميها.
قيل: الذنب الوحيد الذي لا يمكن غفرانه هو النفاق، فتوبة المنافق هي في حد ذاتها نفاق آخر.
النفاق قديم ولم يخل منه أي عصر أو أي وقت، وهو خداع وتضليل للمسؤول، وهو يقتل المروءة، وقيل: إذا سمعت من يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلا تأمن أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك.
ولأن المنافقين أخطر من الكافر العلني ومن العدو المعلن فهذا مصيرهم (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا). وفي موضع آخر: (.. هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون).
الباب لم يغلق، أمامك فرصة أخيرة قبل أن تخرج تقبض روحك، تب وتوقف عن الرقص على جميع الحبال، ولا تمت وفي رقبتك شهادة زور.
*علي سعادة كاتب صحفي أردني
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: