كيف تنظر العقيدة السياسية لبوتين إلى الشرق الأوسط؟ وكيف ترى تحالفها مع طهران؟
ينظر دوغين لأوكرانيا كدولة بلا معنى، سوى أنها «الأطراف» الروسية، رغم أنها مركز السلاف الشرقيين.
يرى دوغين أن أوروبا الوسطى منطقة ضعيفة التجانس، ويمكنها أن تترك أثراً شديداً على جنوب القارة – إيطاليا وإسبانيا.
يعتبر دوغين أن الطريقة الوحيدة لإعادة التطور الاجتماعي والسياسي لبلاده ليس الدولة الروسية بل الإمبراطورية الروسية بـ«ثورة الجيوبولتيك».
تلعب التحالفات المفيدة لروسيا دورا في تقوية طموحها الامبراطوري: تحالفات من أهمها المحور مع ألمانيا (موسكو برلين) ومحور (موسكو طهران).
«يمكن لدعم إيران مساعدة روسيا على حل مشاكل جيويولتيكية مع دول آسيا الوسطى وتقیم تشكلا إسلاميا متجانسا استراتيجيا ومتلونا إثنيا وثقافيا ومرتبطا بالإمبراطورية».
* * *
بقلم: وائل عصام
اشتهر المفكر الروسي الكسندر دوجين بوصفه منظرا لإعادة الامبراطورية الروسية، وبكونه قريباً من بوتين، بل يصفه البعض بأنه ملهم بوتين وعقله الاستراتيجي. ولعل ما يهم القارئ العربي هو معرفة كيف تنظر العقيدة السياسية لبوتين إلى الشرق الأوسط؟ وكيف ترى تحالفها مع طهران؟
يتحدث دوجين في كتابه «مستقبل روسيا الجيوبولتيكي» عن عدة قضايا تخص إعادة بث الروح في الامبراطورية الروسية، إذ أنه يعتبر أن الطريقة الوحيدة لإعادة التطور الاجتماعي والسياسي لبلاده ليس الدولة الروسية، بل الإمبراطورية الروسية عن طريق «ثورة الجيوبولتيك»، وينظر لأوكرانيا على أنها دولة بلا معنى، سوى أنها «الأطراف» الروسية، رغم أنها مركز السلاف الشرقيين، وبما يخص التحالفات المفيدة لروسيا، وتلعب دورا في تقوية طموحها الامبراطوري. ويذكر عدة تحالفات من أهمها المحور مع ألمانيا (موسكو برلين) ومحور (موسكو طهران)، فيرى أن أوروبا الوسطى منطقة ضعيفة التجانس، ويمكنها أن تترك أثراً شديداً على جنوب القارة – إيطاليا وإسبانيا.
ويعتبرها قاعدة عائمة للولايات المتحدة، وبالتالي هي «كبش فداء» لا يمكن إلا التضحية به، وإبعاده وتشجيع الحركات الانفصالية لدى القوميات الأيرلندية والاسكتلندية والويلزية، وهو يعتقد أن فرنسا أطلسية التوجه، ومتأثرة بالخط النابوليوني، الذي يرى في أوروبا وحدة قارية واحدة، وهو ما نفذه ديغول الذي تحالف مع ألمانيا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعند الحديث عن محور موسكو طهران، فإن دوجين يرى بداية، أن العالم العربي والإسلامي مشتت بين عدة تيارات، وهي الرؤية نفسها التي ذكرها الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في كتابه «اللحظة السانحة»، التي استبعد بسببها نشوء قوة سياسية توحد هذا العالم المتنازع وغير المنسجم في مشروع سياسي محدد، ويشرح دوجين ذلك بالقول، إن كبرى دول العالم الإسلامي تعاني من التشتت في عدة اتجاهات، الاتجاه الأصولي الإيراني، التيار العلماني التركي، التيار العروبي، وتدعو إليه سوريا، العراق سابقاً والسودان ـ وإلى حد ما ـ مصر والسعودية، حسب المؤلف، وكذلك التيار الأصولي السعودي الوهابي.
وأخيراً هناك إشكال وصيغ مختلفة للاشتراكية الإسلامية، ونماذج قريبة من العروبة في مفهومها اليساري، ولا يعول دوغين على التيارين الثاني والرابع ويركز على تيارين هما «الأصولية الإيرانية» و«العروبية في صيغتها اليسارية»، وبسبب عداء روسيا والعالم الإسلامي المشترك لحلف الأطلسي، يرى في ذلك فرصة تتمثل بالتعاون مع محور طهران، معتبرا أن موسكو حققت مكاسب ثمينة من التحالف مع طهران، أهمها وصول نفوذ روسيا إلى البحار الدافئة، الذي ظلت تسعى إليه خلال قرون طويلة، ويشرح المؤلف حرص روسيا على بلوغ المياه الدافئة الأطلسية، وكيف منعت من ذلك سواء عن طريق الشواطئ الجنوبية للقارة، وعبر المحيط الهندي، أو عن طريق البوسفور والدردنيل أو حتى جبل طارق، تلك المناطق التي بقيت لفترة طويلة تحت السيطرة الغربية، ولعل السبب الآخر، الذي يجعل دوجين يرى في التحالف مع طهران أكثر قيمة من التقارب مع السعودية هو، جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة في آسيا الوسطى، وهو ما لا يمكن أن يلبيه السعوديون كما لا يمكن أن ينهض به التيار العروبي، لأن شعوب آسيا الوسطى تركية اللغة.
ويعود دوغين لتعزيز فكرة التحالف مع التوجه الموالي لإيران، الذي يمكنه تخفيف التناقض بين القبول بروسيا، والقناعة الدينية الإسلامية، ويجعل منهما توجهاً جيوبولتيكياً واحداً نحو موسكو ونحو إيران في وقت واحد، وبهذا «يمكن للمؤازرة الإيرانية أن تساعد روسيا على حل مشاكلها الجيويولتيكية مع دول آسيا الوسطى، كما يمكنها أن تقیم ذلك التشكل الإسلامي المتجانس استراتيجياً، والمتلون من الناحيتين الإثنية والثقافية، والمرتبط بالإمبراطورية»، كما يرى دوغين، الذي لم يسلط الضوء كثيرا على أفكاره عن هذا المحور «موسكو طهران» تحديدا.
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: