يجب الاستثمار في ردود الفعل العالمية غير المسبوقة والضغوط العالمية والعربية والفلسطينية باتجاه محاسبة الاحتلال وإضعاف شبكة تغطية جرائمه دوليا وعربيا.
صور وشرائط مواجهة جنود الاحتلال خلال محاولتهم إسقاط علم فلسطين في منزلها، وصولا إلى صور الوحدة الوطنية التي تبدت في كل أركان فلسطين والشتات.
تذكر شيرين بقصة العربي الذي حمى أهله حيا وميتا، فساهمت بتوحيد فلسطين عبر صور جثمانها المسجى وحمله من أحد زملائها، مرورا بمواكب تفاعل الفلسطينيين الهائلة، الذين قاموا بتحرير رمزي للقدس عبر اندفاعهم بالآلاف دفاعا عن نعشها،
* * *
عام 2017 قامت صحافية استقصائية مالطية تدعى دافني كاروانا غاليزيا اشتهرت بمحاربتها للفساد بكتابة مقالة عن شركة في الإمارات العربية المتحدة تدعى «17 بلاك» كما فضحت قضايا فساد كبرى لها علاقة بصفقات لتهريب النفط الليبي، وأمام جو الفساد المستشري كانت غاليزيا توجه اتهامات واضحة لجوزيف موسكات، رئيس الوزراء حينها، وأعضاء في حكومته، وكبار المسؤولين، وقبل وفاتها بأسبوعين تقدمت غاليزيا بشكوى للشرطة عن تلقيها تهديدات بتصفيتها، ورد المجرمون المتنفذون باغتيال الصحافية الشهيرة بتفجير سيارتها.
أدت العملية إلى صدمة كبرى للرأي العام، وتوالت ردود الفعل على هذه الجريمة من قبل إعلاميين وناشطين، واتحد المالطيون على المشاركة في مظاهرات غاضبة تطالب بمحاكمة المسؤولين عن الاغتيال.
ساهمت ضغوط الاتحاد الأوروبي، والاحتجاجات الداخلية والخارجية، إلى حصول مواجهة مكشوفة مع شبكة الفساد السياسية المتحالفة مع جهات إقليمية ورجال أعمال محليين، وانقلبت الأمور على مرتكبي الجريمة وحلفائهم ضمن المنظومة السياسية والقضائية والأمنية، وتم توجيه الاتهام إلى رجل أعمال كبير وشقيقيه، وكذلك على صاحب شركة «17 بلاك» الذي كان يحاول الفرار، وسقطت أثناء ذلك قطع الدومينو باستقالة عدد من كبار المسؤولين، وصولا إلى رئيس الوزراء نفسه.
يمثل المشهد الحالي بعد اغتيال شيرين أبو عاقلة مناسبة مهمة للتفكر في مقاربات سياسية مناسبة للبناء على إرث الإعلامية الفلسطينية الشهيرة، عبر الاستثمار في ردود الفعل العالمية غير المسبوقة، وتركيز الضغوط العالمية والعربية والفلسطينية باتجاه محاسبة دولة الاحتلال وإضعاف شبكة الرعاية الدولية والعربية التي تساهم في التغطية على جرائمها.
بحضورها اليومي في كل منازل الفلسطينيين عبر تغطياتها المهنية والشجاعة لمجمل الأحداث الفلسطينية منذ بدء عملها مراسلة لقناة «الجزيرة» وحتى لحظة مصرعها، جعلت شيرين أبو عاقلة من نفسها واحدة من أفراد كل العائلات الفلسطينية، وجاء مصرعها على يد جيش الاحتلال ليشعر الفلسطينيين بالفقد العام، وليحولها من شخص أليف حاضر في القلوب إلى أحد رموز الصراع الفلسطيني مع إسرائيل.
جيش الاحتلال الذي حاول التنكر لمسؤوليته عن الجريمة، ما لبث أن أعاد تأكيدها بكل طريقة ممكنة، وعلى عكس المثل العربي عن القاتل الذي يمشي في جنازة المقتول، فقد هاجمت قوات الأمن الإسرائيلية بيت الفقيدة، والمشفى التي كانت فيها، وختمت ذلك بمشهد لن ينساه العالم حين هاجمت حاملي نعشها.
تذكر شيرين أبو عاقلة بقصة العربي الذي حمى أهله حيا وميتا، فقد ساهمت بتوحيد فلسطين عبر صور جثمانها المسجى، وصورة حمله من أحد زملائها، مرورا بمواكب تفاعل الفلسطينيين الهائلة، الذين قاموا بعملية تحرير رمزية للقدس عبر اندفاعهم بالآلاف للدفاع عن نعشها، وكذلك صور وشرائط مواجهة جنود الاحتلال خلال محاولتهم إسقاط العلم الفلسطيني في منزلها، وصولا إلى صور الوحدة الوطنية التي تبدت في كل أركان فلسطين والشتات.
كان مهما، في السياق العالمي، حصول إدانة من مجلس الأمن الدولي لجريمة القتل، وكذلك ردود الفعل الدولية غير المسبوقة على الحدث، والتعاطف العابر للأحزاب والأديان والأيديولوجيات المتصارعة، وهي أمور يمكن البناء عليها وتطويرها، وهو أمر تستحقه شيرين أبو عاقلة، ويستحقه الشعب الفلسطيني، الذي لم يكف يوما عن مواجهة التواطؤات العالمية والعربية ضد قضيته، كما لم يكف أبدا عن تقديم الشهداء الكبار، والرموز التاريخية، التي ستكون شيرين، بالتأكيد، من بينهم.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: