كيف جعلنا العيب أكبر من الحرام عند أبنائنا؟
“يشرح د. محمد كمال الشريف إستشاري الطب النفسي والمفكر الإسلامي كيفية النهوض بالأجيال القادمة على الحرية دون التقييد بالعيب، إلا من الضمير النفسي، و القانون الذي وضعه الله، و اختارو اعتناقه ليكون مرشدا لهم في أمور حياتهم، وذلك في مقاله: كيف جعلنا العيب أكبر من الحرام عند أبناءنا؟ والذي لا يتوقف عند هذا ولكن يتقدم مجددا لإنتقاد التقاليد التي تتقدم على حساب القيم الدينية والروحية”.
قد يبدو استعمال كلمة عيب للنهي عما هو غير مرغوب به من تصرفات غير محرمة في الدين، أمراً لا بأس به، ولكن ذلك غير صحيح، فالطفل الصغير عندما يصرخ به أبوه، أو، يضربه على ما فعله، ويقول له (عيب) يتعلم أن العيب هو ما يجب اجتنابه، والانتهاء عنه، وعدم ارتكابه، ويتكرر الأمر بحيث ينغرس في نفس الطفل الصغير الخوف من العيب انغراساً عميقاً يصل إلى عقله الباطن، ويكون الحال أشبه بالرهاب النفسي (Phopia)حيث ينشأ الإنسان، وعنده خوف عظيم من أشياء معينة، رغم أنه مقتنع عقلياُ أنها أشياء لا تستدعي الخوف على الإطلاق فترى الرجل يخاف أن يبقى في غرفة مظلمة وحده، فينام والمصباح مضاء مع أنه متأكد أنه ليس هناك ما يخوف، ولكنه مع ذلك لا يستطيع ألا يخاف. ذلك إن خوفه هذا مغروس في عقله الباطن (لا شعوره) ويحتاج إلى علاج متخصص لعلاجه منه. وهكذا ينشى كثير من الآباء والأمهات أولادهم على(رُهاب العيب).
اقرأ/ي أيضا: هل نربي أبنائنا على الرياء؟
عندما يكبر الولد يكتشف لكلمة عيب معنى جديداً، ويفهم أن العيب هو ما يستنكره الناس، ولا يرضون به، وكان قد تعلم في صغره أن العيب هو ما يجب اجتنابه، وعدم الوقوع فيه.
أو ليست تربية الأولاد على هذا تعبيداً لهم للمجتمع بحيث يكون وجوب طاعة المجتمع مغروسة في قلوبهم؟
والتقاليد المهمة عادة هي تقاليد الفئة التي يحرص الفرد على الانتماء إليها، فابن المدينة لا يلتزم تقاليد القرية، وابن القرية لا يهتم لتقاليد المدينة، وقد يعجب ابن القرية بالمدينة وبخاصة إذا انتقل إليها، فيتبنى عاداتها وتقاليدها؛ لأنه يريد أن يكون واحداً من أولئك الذين يعيشون فيها، وقد أعجبته حياتهم وطبقتهم.
إن الحرام كما ذكرنا أهون على كثير من النفوس من العيب، وهذا يرينا إلى أي حد ما تزال مجتمعاتنا مجتمعات تقاليد، وهناك مسافة تفصلها على أن تكون المجتمعات الإسلامية المنشودة.
لما كان موضوع الدين والتقاليد مشتركاً، وهو الأخلاقُ، والسلوك، والعلاقات بين الناس، كان أي جهد تربوي ينفق على التربية على العيب سيكون على حساب الجهد الذي يمكن صرفه على التربية على الإسلام، وكذلك كان أي حيز تحتله التقاليد في النفوس على حساب الحيز المفروض أن يحتله الإسلام.
اقرأ/ي أيضا: لماذا ننجب أولادنا؟
التقاليد لا تقوي الالتزام إنما هي منافس للدين، والعيب منافس للحرام، وكمال التوحيد لله لا يكون إلا بإخلاص العبادة له وحده سواء سخط الناس أم رضوا، ولا يكون إلا عندما نتحرر من إشتغالنا الدائم بما يقول الناس عنا ثناءً وذماً.
لقد تحرر الغربيون من التقاليد، ومن العيب الموروث إلى حد كبير، ولا احترام في حياتهم إلا للقانون؛ لذا نراهم يعيشون حرية يغبطهم عليها الذين ينظرون في عيون الآخرين ووجوههم كلما أرادو فعل شيء، فلم لا نتحرر نحن أيضاً، فلا نقيم لغير شرع الله وزناً؟ ثم من هم الناس الذين نخاف كلامهم؟ أو لسنا نحن الناس؟ أنا، وأنت، وهو، وهي؟ لماذا نقيد بعضنا بعضاً بقيود التقاليد؛ التي قلما تأتينا بغير الحرج؟ أو لسنا جميعاً سننعم بالحرية إن ترك بعضنا بعضاً لشأنه طالما أنه لم يرتكب منكراً في الدين؟
لا بد من أجل ذلك من البدء بأنفسنا، ومن حماية أولادنا مما أوقعنا فيه آباؤنا وأمهاتنا من خوف العيب، ورهبتة.
لكن ليس كل ما نريد أن ننهي أولادنا عنه حراماً، فكيف ننهاهم عن الأمور التي نريدهم ألا يفعلوها وهي غير محرمة؟
ليست هنالك مشكلة فيما يتعلق بما حرمه الله، إذ الحلال بين، والحرام بين، ونستطيع أن نقول لأولادنا: إن الكذب حرام، والسرقة حرام، وترك الصلاة حرام، وهكذا …
اقرأ/ي أيضا: تربية الأبناء على العُرف
لكن يجب أن نحذر أن نقول لأولادنا عن المكروه: حرام، بل الحرام حرام، أما المكروه فليس حراماً، إنما هو شيء لا يحبه الله لنا، وهذا التمييز بين المكروه والمحرم ضروري ليتعلم أولادنا أن المحرمات في دين الله أمور قليلة معدودة، وأن دين الله ليس دين قيود وممنوعات.
ثم ليتعلم أولادنا كيف أن الله لم يحرم علينا كثيراً من الأشياء التي كرهها لنا ونحن نتجنبها لذلك، لكن لا ننكر على الآخرين إن وقعوا فيها، والمكروه مفهوم رئيس مع المستحب والحرام والفرض.
أما ما سوى الحرام والمكروه من تصرفات لا نريد أولادنا أن يرتكبوها، فما ذلك إلا لعلّة فيها لا تعجبنا، فلم لا نبين لأولادنا تلك العلة؟
بعض تلك التصرفات ضار بالصحة، أو المال، أو الغير، ويمكننا أن نبين لأولادنا أنها ضارة، وأن نعلمهم أنه لا ضرر ولا ضرار، وأن علينا أن نحرص على ما ينفعنا، وبذلك ننمي لديهم نوعاً من الحكمة، والتدبير، والمنطق العملي، فقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم لأن نحرص على ما ينفعنا إذ يقول: (… احرص على ما ينفعك…).
وبعض تلك التصرفات التي ننهي عنها أولادنا لا نحبها؛ لأنها غير جميلة، ويمكن أن نبين ذلك لهم، فنقول لهم عن الجميل جميل، وعن القبيح قبيح، ونعلمهم حب الجمال، وتقديره، والنفور من القبيح، فالله جميل يحب الجمال كما جاء في الحديث الشريف، وهذا ينمي عند أولادنا الذوق الجمالي، الذي هو شيء أصيل في الإسلام، كما أنه مكوّن رئيس في أية حضارة إنسانية راقية.
وقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نهتم بأنفسنا من الناحية الجمالية، فمن كان له شعر فليكرمه، وحثّنا على أن نكون شامة بين الناس، والقرآن دعانا للتجمل والتزين عند كل مسجد، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {31} قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} }الأعراف:31-32{
اقرأ/ي أيضا: مشكلة التقاليد مع الدين الإسلامي
وبعض تلك التصرفات لا نريد أولادنا أن يرتكبوه؛ لأنه خطأ في أسلوبه، و لايحقق المطلوب، فنبين لهم الخطأ والصواب، وننمي عندهم الحرص على الصواب واجتناب الخطأ، وهذا يجعلهم يفكرون لأنفسهم، ويحكمون: هذا صواب، وهذا خطأ.
وتنمية القدرة الذاتية عندهم على محاكمة الأمور والحكم عليها، خير لهم ألف مرة من أحكام جاهزة لا مجال لهم في التفكير فيها، إنما (هذا عيب) وكفى!.
وبعض تلك التصرفات ننهى أولادنا عنه؛ لأنه مزعج للناس، ويمكننا أن نعلم أولادنا أن علينا ألا نؤذي الناس بإزعاجهم، بل يجب أن نتصرف معهم كما نحبهم أن يتصرفوا معنا، وهذا ينمي عند أولادنا ملكة تفهم مشاعر الآخرين، وتقديرها، ومراعاتها، والإحساس أن الآخرين بشر مثلنا، لهم من الحقوق مثل ما لنا.
وهكذا نستطيع أن نبيّن لأولادنا علّة كراهيتنا لتصرّف من التصرفات، ولسنا في حاجة أبداً إلى أن نقول (هذا عيب) و (ذاك عيب).فمع الإسلام لا يحتاج المجتمع إلى شيء آخر ينظم حياة أفراده، وعلاقاتهم، إلا ما يلزم من قوانين حكومية تنظم ما تركه الإسلام لنا من شؤون ننظمها حسب العصر وتطوره، فقوانين المرور، أو قوانين المهن، أو غير ذلك هي مما تركه الإسلام دون تشريع حتى لا يقيدنا بتشريع يصلح لزمان ولا يصلح لغيره، إنما شرّع لها مبادىء عامة، وترك الجزئيات لولي الأمر ينظمها باجتهاده.
لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا.