ما يبدو مستحيلا قبل بدء العمل عليه، يصبح ممكنا، لو توفرت الشجاعة والإرادة.
آليات تنفيذ المصالحة الفلسطينية ضمن رعاية عربية، ورغم السياق السياسيّ المعقّد، يمكن أن تصل لدرجات أكبر من التنسيق والتقارب والتفاهم بين الفلسطينيين.
يساهم هذا الخيار الجزائري بفك الحصار عن الفلسطينيين ومنحهم أملا بأن المبادرة الجزائرية يمكن أن تعدّل بعض الخلل العربيّ الكبير الذي جرى لصالح إسرائيل.
اهتمام كبير لراعي الاتفاق بالحدث، وإرادة جزائرية في تضمينه بمركز سياسات الجزائر العربية والعالمية وجعل قضية فلسطين إحدى نقاط التركيز بالقمة العربية المقبلة.
حمّل الاتفاق مسؤولية كبيرة للجزائر كغطاء عربيّ لقضية فلسطين وهو خيار سياسي شجاع مع تعرّض الشعب الفلسطيني لضغوط العدو تترافق مع تطبيع عربي مع العدو.
* * *
نجحت آلة الدبلوماسية الجزائرية، أخيرا، في جمع 16 فصيلا فلسطينيا وقعت على «إعلان الجزائر من أجل المصالحة الفلسطينية».
يظهر حضور الرئيس عبد المجيد تبون وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في الدولة حفل التوقيع، ودعوة 70 سفيرا معتمدا في الجزائر، اهتماما كبيرا لراعي الاتفاق بالحدث، ويشير إلى إرادة جزائرية في تضمين نتائجه بمركز سياسات الجزائر العربية والعالمية، وفي جعل قضية فلسطين إحدى نقاط التركيز في القمة العربية المقبلة التي ستعقد هناك.
كان اختيار القيادة الجزائرية قصر المؤتمرات في العاصمة مركزا للتوقيع خطوة سياسية صائبة أيضا، وقد تكفّل الرئيس تبون بشرح ذلك بقوله إن الإعلان «يحمل رمزية خاصة»، كونه جرى في القاعة نفسها التي أعلن فيها الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين، كما كان مفيدا تذكيرها بالجانب العمليّ المطلوب لتحقيق الاتفاق بإعلان استعدادها لاحتضان انعقاد مجلس وطني جديد.
حمل الاتفاق، عمليا، خريطة طريق مكانية وزمانية، تبدأ بالدعوة لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، في الضفة الغربية وغزة والقدس، خلال مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع، وتحفيز على «توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية»، و«تجنيد الطاقات والموارد لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال»، كما تضمّن الاتفاق أيضا خطة للمتابعة وتنفيذ الاتفاق يشرف عليها فريق عربي بإدارة جزائرية.
يحمّل الاتفاق مسؤولية كبيرة للجزائر، ويجعلها بمثابة الغطاء العربيّ للمسألة الفلسطينية، وهو خيار سياسي شجاع في وقت يتعرّض فيه الشعب الفلسطيني لضغوط إسرائيلية هائلة، تترافق مع تقارب دول عربية عديدة مع تل أبيب، ويساهم هذا الخيار الجزائري، بالتالي، بفك الحصار عن الفلسطينيين، وإعطائهم أملا بأن المبادرة الجزائرية يمكن أن تعدّل بعض الخلل العربيّ الكبير الذي جرى لصالح إسرائيل.
لكن إزجاء الشكر للجزائر لا يجب أن يجعل الفلسطينيين يتجاهلون أن من يتحمّل ثقل «الرمزيّة الكبيرة» للاتفاق، ومسؤولية تحويله من كلام كبير على ورقة مزركشة تحمل توقيع 16 مسؤولا قياديا فلسطينيا، واستخدامه كأداة استراتيجية للرد على التحدّيات الكبرى التي تحاصر الفلسطينيين، هو الفصائل الفلسطينية نفسها، وخصوصا تيّاريها الرئيسيين، حركتي «فتح» و«حماس».
تعرّض إعلان المصالحة لبعض الانتقادات، وخصوصا في ما يتعلق بغياب بند خاص بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة تشرف على عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية والخاصة بالمجلس الوطني (البرلمان الفلسطيني)، وعُزي غياب هذا البند إلى الاستعصاء «الوجودي» بين الحركتين، فـ«فتح» تريد طبعا أن تؤمّن حبل نجاة للحكومة بجعلها مقبولة من المنظومة الدولية، بشكل يضمن استمرار حصولها على آليات الشرعية والدعم المالي والوجود في المؤسسات الدولية، وصولا إلى تطبيق حل الدولتين، وإعلان دولة فلسطينية ذات سيادة على البلد الذي تحكمه.
حماس، من جهتها، تريد طبعا المنافسة في الانتخابات الفلسطينية، والمشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني، وصولا إلى تشكيل أو المشاركة في حكومة فلسطينية، لكنها لا تقبل برنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي، ولا تقبل، وهذا الأهم، بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها منظمة التحرير، وبضمنها «اتفاق أوسلو» الذي يعترف بإسرائيل.
آليات العمل على «المصالحة الفلسطينية»، ضمن رعاية عربية، ورغم هذا السياق السياسيّ المعقّد الآنف، يمكن أن تصل إلى درجات أكبر من التنسيق والتقارب والتفاهم بين الفلسطينيين، بحيث ما يبدو مستحيلا قبل بدء العمل عليه، ممكنا، لو توفرت الشجاعة والإرادة.
المصدر: القدس العربي
موضوعات تهمك: