كيف تتفاهم مع ابنك؟
فلنخاطبهم على قدر عقولهم:
هذه صفحات من علم نفس النمو أقدمها للقراء الأعزاء، لإيماني بأهميتها الكبيرة لنا جميعاً، آباء وأمهات، مدرسين ومدرسات، كتاباً للأطفال وكاتبات، وشعراء للأطفال وشاعرات، وواضعي مناهج دراسية وواضعات.
في هذه الصفحات نجد أيضاً الإجابة على سؤالين قد خطرا ببالنا جميعاً وهما: لِمَ كان التكليف يبدأ مع البلوغ الجنسي؟ والثاني: لِمَ كان علينا أن نبدأ بأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء سبع وليس قبل ذلك؟
أما الأمر الهام جداً الذي تعيننا هذه الصفحات عليه فهو مخاطبة أولادنا على قدر عقولهم.
ذلك أنني عندما أدخل مكتبة، أو معرضاً للكتاب، وعندما تقع عيني على كتب للأطفال، أقلب صفحاتها، وأقرأ مقاطع منها، لأرى إن كانت تصلح لابني أو ابنتي؛ وأنا لا أقيس مدى صلاحية تلك الكتابات بحسب ما فيها من دعوة إلى مكارم الأخلاق فحسب، إنما أقيّم مدى نجاح هذه القصة أو القصيدة في إيصال ما تريد أن تقوله إلى عقل طفلي. أي إلى أي حد هي قابلة للفهم من قبل ابني ذي الثمان سنوات مثلاً، أو ابنتي ذات السبع سنوات.. هل هي تخاطب الأطفال على قدر عقولهم؟… وما أكثر ما تعرضت للخيبة وأنا ابحث عما يناسب أطفالي الذين هم في المرحلة الابتدائية.
وما أندر المرات التي عثرت فيها على قصص أو أشعار تخاطبهم بلغة يستطيعون فهمها حق الفهم.
فالكثيرون ممن يكتبون للأطفال هذه الأيام في بلادنا، تدفعهم الحماسة لنشر الكلمة الطيبة من جهة، والفقر الواضح في مكتبة الطفل العربي من جهة أخرى، فيمسكون بالقلم ويكتبون، فيتبسطون في العبارات بعض التبسيط، بحيث تخرج العبارة، مما يترفع عن أن يُخاطَب بها الكبار، لكنها تبقى مليئة بالمفاهيم المجردة، التي لا يمكن لطفل في الثامنة من عمره مثلاً أن يفهمها، حتى لو أمكنه حفظها عن ظهر قلب، فهو ما يزال عاجزاً عن امتصاص المفاهيم التي فيها، وعن هضمها هضماً عقلياً.
وهكذا نجد السوق ملأى بقصص للأطفال، وكذلك بعض كتب الشعر التي لا تصلح للكبار بالتأكيد، ولا تصلح للأطفال أيضاً.
وإن وجود بعض الكتابات الناجحة التي تخاطب الطفل بما يفهم هو الاستثناء، والمشكلة تبقى قائمة، فالعبرة بالأكثرية.
إننا مربّون وبحاجة إلى أن نفهم بعض مكتشفات علم نفس النمو، التي تبين الطريقة التي ينتقل فيها الطفل عقلياً من مرحلة إلى أخرى، وما يستطيع فهمه في كل مرحلة، وذلك حتى نتمكن من أن نخاطبه باللغة التي يفهمها، وأن نقدم له من المفاهيم ما يستطيع استيعابه، حتى يكون لخطابنا له الأثر المطلوب.
فعلى الرغم من أن الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (أُمِرْتُ أن أخاطب الناس على قدر عقولهم) حديث شديد الضعف كما يقول العجلوني في كتابه (كشف الخفاء) فإن المعنى الذي يتضمنه هذا القول صحيح بشكل واضح، يحيد عنه الذين يخاطبون الأطفال بمفاهيم لا يمكنهم فهمها، جهلاً منهم بأن الحكمة تقتضي مخاطبتهم لهم على قدر عقولهم، إنما السبب في ذلك، أن أكثرنا يظن، أن الطفل يستطيع فهم كل المفاهيم كالكبار، ولا يحتاج ذلك من جهتنا، إلا إلى عبارة فيها تبسط، ومن جهة الطفل إلى الانتباه والاهتمام.
لكن الذي اكتشف في القرن العشرين، أثبت أن الطفل يمرُّ بمراحل عقلية متدرجة، لا بد لكل طفل من أن يمر فيها، تسلمه الأولى إلى الثانية، وتسلمه الثانية إلى الثالثة، وهكذا… حتى يصل إلى البلوغ العقلي، ثم إلى الرشد، حيث يصير كغيره من الكبار الراشدين.
وسأعرض فيما هو قادم لتلك المراحل باختصار، أرجو أن يكون مفيداً، وأرجو أن ينهض من هو أقدر مني، لمهمة نقل هذه الدراسات عن الطفل، بشكل مفصل وموسع، لينتفع بها أطفال هذه الأمة.
موضوعات تهمك:
كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا
عذراً التعليقات مغلقة