قمتان في السعودية !
- استهداف السعودية لقطر وشعوب العرب بالانقضاض على ثوراتهم يشيطن السعودية ويرفع كلفة اتفاق الأنظمة العربية معها.
- آن الأوان للقيادة السعودية لتبني مقاربة أفضل لعلها تستعيد صورة كانت لها.. فلا قمتان ولا ثلاث ستغير صورة السعودية.
- لا تستوعب السعودية أن الرتق اتسع على الراتق وأن سياساتها الإقليمية كانت وما زالت السبب الرئيسي للتباعد العربي.
- كيف التوافق بين قطر ومحاصريها على موقف موحد بينما تعلن الإمارات والبحرين والسعودية عن سعيهم لإخضاع قطر؟!
* * *
بقلم | حسن البراري
وكأن قمة عربية واحدة لا تكفي للتوصل إلى موقف عربي موحد حتى تدعو المملكة العربية السعودية إلى عقد قمتين عربيتين في مكة المكرمة مع نهاية الشهر الجاري.
فبعد أن ارتفع منسوب القلق والتوتر في منطقة الخليج العربي وبعد أحداث ميناء الفجيرة واستهداف الحوثيين لمنشأتين نفطيتين سعوديتين بواسطة طائرات مسيرة دعت الرياض إلى قمة خليجية وأخرى عربية للاتفاق على موقف موحد إزاء التهديدات الإيرانية.
طبعا الموقف العربي الموحد يعني دعم الموقف السعودي، هكذا تريده الرياض دون أن تستوعب جيدا أن الرتق اتسع على الراتق وأن مجمل سياساتها الإقليمية كانت وما زالت السبب الرئيسي للتباعد العربي.
فالسعودية متورطة في حرب اليمن وحصار قطر وقامت بهندسة الثورات المضادة ودعمت أمراء الحرب في ليبيا وغيرها.
بمعنى أن السياسة السعودية الإقليمية استمطرت الخصوم والأعداء في الخليج وفي الإقليم بشكل عام.
وبعيدا عن الخلافات العربية البينية لا يمكن للدول العربية موضوعيا أن تتبنى موقفا موحدا وهي تعرّف مصادر التهديد بشكل مختلف، فمثلا ترى السعودية أن إيران هي العدو الاستراتيجي الذي ينبغي التصدي له. وعليه فإن على الدول العربية الأخرى إخضاع سياساتها الخارجية وفقا لأولويات السعودية وتصوراتها للمستقبل.
عمليا، هذا أمر غير ممكن لأن إسرائيل على سبيل المثال (التي ترى فيها السعودية حليفا للتصدي لإيران) هي من يشكل تهديدا مباشرا وغير مباشر أيضا للأمن الوطني لدولة مثل الأردن. فبالنسبة للأردن ينبغي أن تكون الأولوية العربية التصدي للسياسات الإسرائيلية وهو أمر لا تراه السعودية ضروريا في خضم ما يجري في الإقليم.
ونظرا لهذا التباعد بين السعودية وبين حلفائها من العرب فيما يتعلق بمصادر التهديد، عندئذ نتساءل إن كان بالإمكان حقا التوصل إلى موقف عربي موحد.
لا أعرف إن كانت الرياض تعتقد أن بإمكانها فرض رؤاها على بقية الدول، لكن ما أعرفه جيدا أن القمة العربية التي تسعى إليها السعودية لن تفضي إلى نتيجة عملية يمكن أن تساعد الرياض في التصدي للتهديدات الإيرانية.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة للرياض هو موقف الرئيس ترامب الأخير الذي يؤكد على أن الولايات المتحدة لن تخوض حربا نيابة عن أحد.
فالدول العربية التي ترى أن دولة بحجم وقوة وهيبة أمريكا تتخلى عن السعودية – التي دفعت الغالي والنفيس لقاء الحصول على الرضا الأمريكي – لن تغامر وتجري وراء أفكار ورؤى وليّ العهد السعودي الذي فتح خزائن السعودية للأمريكان ولم يحقق إنجازا واحدا في السياسة الخارجية.
الأمر الآخر يتعلق بمجلس التعاون الخليجي، فالانقسامات الخليجية العميقة وصلت إلى نقطة يصعب معها التستر على الموقف السعودي، فكيف عمليا التوافق بين قطر من ناحية ومحاصريها من ناحية أخرى على موقف موحد في وقت تعلن فيه الإمارات والبحرين والسعودية عن سعيهم لإخضاع قطر؟!
لست متحدثا باسم الحكومة القطرية لكن كمراقب أسأل لماذا على الدوحة أن تقبل ذلك! وهنا يمكن للمراقب أن يلاحظ التناقض والتخبط في الموقف السعودي.
القضية الأهم برأيي هي السياسة السعودية، فلا يمكن للسعودية إقناع الأطراف العربية الأخرى بموقفها إلا إذا غيرت الرياض من سلوكها السياسي في المنطقة، ففي وقت تطالب فيه الرياض صبحًا وعشية من طهران تغيير سلوكها في المنطقة تتناسى أو تتجاهل حقيقة أن سلوك السعودية في الإقليم لا يقل سوءا عن إيران.
فاستهداف السعودية لقطر وللشعوب العربية من خلال الانقضاض على منجزات ثوراتهم يشيطن السعودية في المنطقة ويرفع من كلفة اتفاق الأنظمة العربية معها.
وعليه وبعد هذا الردح من الهزائم المتتالية آن الأوان للقيادة السعودية لتبني مقاربة أفضل لعلها تفلح في استعادة الصورة التي كانت لها في وقت غابر. فلا قمتان ولا ثلاث يمكن أن تغير من صورة السعودية.
* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية
المصدر | الشرق – الدوحة
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة