تواجه دبلوماسية فرنسا صعوبات وتحديات متنامية بتراجع فاعليتها في إدارة ملف حرب أوكرانيا وقيادة الاتحاد الأوروبي ومواجهة التحديات الاقتصادية.
تآكل نفوذ فرنسا بأفريقيا وآسيا والهادي وتراجع فاعلية منظماتها؛ ما يجعل طروحات فرنسا بآسيا وأفريقيا وأوروبا غبر مرئية أو مسموعة وغير واقعية.
تحتاج سياسات فرنسا مزيدا من المراجعة بعد خذلان الأمريكيين والانكليز والأستراليون في اتفاق أوكوس وانشغل الالمان بمزيد من التصنيع للمستقبل.
شركاء فرنسا الكنديون في الفرنكفونية لايبدون حماسة أستراليا لواشنطن ولندن لتحمل باريس عبء الشركاء الفرنكفونيين المتحمسون لشراكة مع بكين في مجموعة 77+الصين.
* * *
بقلم: حازم عياد
أكدت الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرانكفونية الرواندية ” لويز موشيكيوابو” في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية أن المنظمة “أكثر أهمية من أي وقت مضى”، وذلك ردا على تصاعد الانتقادات الموجهة إليها ومن بينها ما كتبه الكاتب السنغالي أمادو لمين صال في مقال، حول أن الفرانكفونية “لا تُرى” و”لا تُسمع” على النطاق الدولي وذلك حسب ما نقلت وكالة فرانس برس.
انتقادات الكاتب السنغالي تمثل الواقع فحضور المنظمة الفرنكفونية ( لايرى ولايسمع ) في قمة المناخ COP27 التي كان يفترض أن تختتم اعمالها مساء الجمعة قبل ان تمدد ليوم اخر في شرم الشيخ لتتقاطع زمانيا مع قمة الفرنكفونية في جزيرة جربة التونسية وبحضور 90 وفدا اليوم السبت .
المنظمة الفرنكفونية في قمة المناخ لم تستطع ان تقدم نفسها ككتلة موحدة رغم تزامنانعقادها مع COP27؛ مقابل حضور قوي لمجموعة دول مجموعة 77+الصين وتضم 130 دولة و تتراسها وزيرة التغير المناخي الباكستانية، شيري رحمن التي كانت فاعلة ومؤثرة في المفاوضات الماراثونية الشاقة في شرم الشيخ خصوصا فيما يتعلق ببند المكاسب والخسائر وصندوق التعويضات المرتبط بذلك؛ فالمجموعة تلعب دورا يفوق تاثير وقدرة المجموعة الفرنكفونية التي اكد الكاتب السنغالي (صال) انها لا تُرى ولا تُسمع.
مفاوضات المناخ في شرم الشيخ (COP27) اتخذت مسار اقترب من احتياجات الدول النامية والفقيرة والمتضررة بشكل اكبر من احتياجات وطموحات ورغبات الدول الاوروبية والمتقدمة والتي عبر عنها في قمة غلاسكو للمناخ العام الماضي ومن قبلها في قمة باريس؛ فالدول الفرنكفونية المجتمعة في جربة لاتتوقع الكثير من باريس في حين تتوقع الكثير من الصن ومن الشراكة معها.
فجوة المصالح تتعاظم وتبرز واضحة في المحافل الدولية بين باريس والدول الفرنكفونية خصوصا في المحطات الحاسمة كتلك التي انعقدت في بانكوك تحت مسمى قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC).
رغم محاولات الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون في بانكوك عرض طريق ثالث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تشهد منافسة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، يعتمد فيه على القوى الإقليمية، بما فيها فرنسا، لضمان التوازن بحسب رؤيته؛ الا أن هذ العرض يبدو بعيد المنال.
وخاصة وأن تكرار عرض الرئيس الفرنسي للتعاون مع أستراليا بشأن الغواصات قوبل برد بارد من رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بالقول: أن كانبيرا تحافظ على “علاقة تعاون جيدة جدا مع باريس” لكن بلاده “ستواصل الاتفاقات مع كواد” وهي المجموعة التي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند وهي اشارة واضحة لتمسك استراليا باتفاق (أوكوس) مع كل من بريطانيا وأميركا لبناء اسطول غواصات نووية متخلية بذلك عن الاتفاق مع باريس لانشاء اسطول يعمل بالديزل فضلا عن تعاون اقليمي يبعدها تطرحه باريس لاينافس شراكتها مع اليابان والهند واميركا في مجموعة كواد.
تصديق واشنطن على “قانون خفض التضخم” يمثل تحدي اخر لباريس ولمكانتها داخل المعسكر الغربي واوروبا بل ولدورها في مكافحة التغيرات المناخية ؛وبذلك بعد ان خصصت واشنطن وفقا لـ”قانون التضخم” الذي اقرته الصيف الفائت 370 مليار دولار لبناء توربينات تحركها الرياح وألواح شمسية وسيارات كهربائية وإعفاءات ضريبية لشراء سيارة كهربائية أميركية مزودة ببطارية منتجة في الولايات المتحدة ما دفع رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن يوم امس الجمعة، للتحذير بان فرنسا “لن تقف مكتوفة اليدين” في مواجهة خطة الاستثمار الأميركية الهائلة لمكافحة التضخم، والتي يُحتمل أن تضر بالمنافسة التجارية عالميا.
رغم مشاركة المستشار الألماني أولاف شولتس لرئيسة الوزراء الفرنسية الراي بإنه القانون قد يشعل “حربًا جمركية كبرى” من خلال التمييز ضد الشركات الأجنبية؛ الا ان لديه خطة عمل اكثر طموحا من باريس اذ عبر عن اعتقاده خلال زيارته اليوم السبت لشركة توريد السيارات “زد إف” في مدينة فريدريشسهافن الألمانية، بأن بلاده مستعدة جيدا للتحول في قطاع صناعة السيارات”لدينا أفضل الفرص للمشاركة في المستقبل.
سنمضي قدما هنا بثقة كبير. مضيفا أن التحول التكنولوجي ليس تهديدا، ولكنه أفق جدي ؛ فحجم الطلب على المحركات الكهربائية سيقدر بحوالي 25 مليار يورو بحلول عام 2030 من شركة ZF الألمانية وحدها .
ختاما .. بعيدا عن التفاصيل تواجه الدبلوماسية الفرنسية صعوبات وتحديات متنامية ففاعليتها السياسية تتراجع سواء في إدارة ملف حرب أوكرانيا وقيادة الاتحاد الأوروبي ومواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن التضخم والسياسات الامريكية المتبعة أو خلق فضاءات واسعة في ظل التآكل الكبير في نفوذها بافريقيا واسيا والمحيط الهادي وتراجع فاعلية المنظمات التي تترأسها؛ ما يجعل من الطروحات الفرنسية في آسيا وأفريقيا واوروبا غبر مرئية او مسموعة فهي غير واقعية ومنفصلة عن الواقع.
فسياساتها تحتاج مزيدا من المراجعة بعد أن خذلها الامريكيون والانكليز والاستراليون في اتفاق أوكوس؛ وانشغل عنها الالمان بالاعداد للمستقبل بمزيد من التصنيع؛ في حين ان شركاءها الكنديين في القمة الفرنكفونية لايبدون الحماسة ذاته التي ابدتها أستراليا في التعاون مع واشنطن ولندن لتحمل باريس عبء الشركاء الفرنكفونيون بأفريقيا وآسيا المتحمسون لشراكتهم مع بكين في مجموعة 77+الصين أكثر من حماستهم للمنظمة الفرنكفونية.
*حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: