ستحاول قمة السبع مواجهة رهان موسكو على عامل الزمن لإرهاق القارة العجوز.
عقد القمة للمرة الثانية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبيل قمة حلف الناتو مؤشر على حجم التحديات التي توصف بـ”غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
ستواصل روسيا اللعب بورقة الطاقة لتأزيم وحدة المواقف الغربية، قبيل الخريف، حيث تنتشر “توقعات” خبراء بقطع متدرج لإمدادات الغاز نحو أوروبا، قبل إيجاد بدائل.
تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا ترهق مجتمعات الغرب التي تواجه تداعيات أزمات الغزو وارتفاع منسوب التوتر بين الغرب (الناتو وأوروبا) وروسيا لمستوى أجواء الحرب الباردة.
* * *
انطلقت أمس الأحد، على مدى يومين في ألمانيا، قمة الدول الصناعية السبع G7 (بعد أن تقلصت من G8 إثر تجميد مشاركة روسيا بها في 2017). وهي القمة الثانية منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أربعة أشهر، بعد قمة بروكسل في مارس الماضي، وتحت الرئاسة الدورية لألمانيا.
وعقد القمة للمرة الثانية، وقبيل قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مؤشر على حجم التحديات التي توصف بـ”غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.
التقارير الغربية المتزامنة مع الاجتماعات تتحدث عن أن موسكو ستواصل اللعب بورقة الطاقة لتأزيم وحدة المواقف الغربية، قبيل الخريف، حيث تنتشر “توقعات” خبراء بقطع متدرج لإمدادات الغاز نحو أوروبا، قبل إيجاد بدائل.
صحيح أن الاجتماعات تناقش قضايا مهمة ومتشابكة، كالمناخ والاقتصاد العالمي مع تفاقم أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار، ومحاولة لجم معدلات التضخم، وكل العثرات الأخرى؛ لكن كل ذلك ليس بعيداً عن الغزو الروسي لأوكرانيا، مع تبعاته التي ترهق مجتمعات ضفتي الأطلسي، الذين يواجهون مباشرةً تداعيات الأزمات التي ولدها الغزو الروسي المتواصل في أوكرانيا، وارتفاع منسوب التوتر بين الغرب (حلف شمال الأطلسي وأوروبا) وموسكو، إلى المستوى الذي يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة.
أسئلة مصيرية عن تصدّع الموقف الغربي
يعوّل الغرب على مجموعة السبع الكبار، بمشاركة كبريات الاقتصاد العالمي، لتخفيف أزمات العقوبات على روسيا، وخصوصاً أن مقاصدها للجم الكرملين عن مواصلة الحرب لم تثمر بعد شيئاً. فأوروبا ما زالت تعاني من إيجاد بدائل للطاقة، وتضخ في شرايين الاقتصاد الروسي مئات مليارات الدولارات.
ورغم الحديث العلني عن أن المواجهة هي بين قيم الحرية والديمقراطية ومحاولات روسيا فرض أنظمة تسلطية في الجوار، فإن الشعارات لا تعني أن المعسكر الغربي على قلب رجل واحد في مواجهة مشاريع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ويُنتظر من اجتماعات قمة السبع الكبار إنجاز مهمة التوفيق بين معسكرين بدآ يبرزان أخيراً: الجانب الأميركي والبريطاني، ومعهما دول صغيرة في شرق القارة وشمالها، وفي البلطيق، متحمسون إلى أبعد الحدود للمواجهة مع موسكو. وجانب يرى أن الأمور ليست كذلك، وتمثله ألمانيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى.
وستناقش القمة الأثمان التي من الممكن أن يدفعها الغرب، ومعه اليابان ودول أخرى حليفة ومدعوة للقمة؛ لجعل مهمة بوتين أصعب.
فتسليح أوكرانيا منذ الأسابيع الأولى للحرب، يواجه مشكلة وحساسية مواقف، وواقعاً غربياً مختلفاً في الكواليس عما هو عليه على السطح.
يلعب بوتين على تراكم التناقضات، وربما غياب الاتفاق التام بين لندن والنادي الأوروبي، وإشهاره مبكراً التحذير النووي، كرسالة بألا يتمادى الغرب في تسليح أوكرانيا؛ قلل من حماسة برلين وباريس، قائدتا المقطورة الأوروبية.
فالحديث عن “القيم الديمقراطية المشتركة”، واعتبار كييف جزءاً منها، رغم انتقادات الفساد التي طاولتها؛ استبدل أخيراً بتصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن عدم إهانة بوتين.
والذي خاطب في مايو/أيار الماضي البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بما هو أبعد، قائلاً: “ليس علينا جميعاً أن نعيش في المنزل نفسه، لكننا نتشارك الشارع نفسه”، مشيراً إلى أن على قادة أوروبا مناقشة إنشاء “مجتمع سياسي أوروبي بجوار الاتحاد الأوروبي”، لفسح المجال أمام الدول غير الأعضاء في النادي أو التي لا ترغب في الانضمام، ملمحاً بذلك إلى بيلاروسيا وروسيا، وغيرها من الدول.
وقد ناقش قادة الاتحاد الأوروبي مقترحات ماكرون في اجتماعات بروكسل لاحقاً، لكن لا أحد يعلم ما إذا كان الرجل قد تراجع عنها بعد موجة الانتقادات وزيارته لكييف برفقة المستشار الألماني أولاف شولتز.
ولا يبدو مستشار البلد المضيف، شولتز، أقل لعباً على حبال التوازنات. فعلى الرغم من انخفاض استيراد الغاز الروسي، ما زالت برلين تضخ المال في شرايين اقتصاد حرب الكرملين. ورغم الانتقال من موقف اعتبر “نورد ستريم 2” مجرد “عمل تجاري”، إلى قطعه وتخصيص 100 مليار يورو لرفع كفاءة دفاعاتها؛ فإن استمرار التردد عند برلين يعني عملياً تقسيماً في مواقف أغلبية المشاركين في السبع الكبرى، وخاصة تلك الدول المستمرة في استيراد الغاز الروسي.
في المجمل، ما من شك في أن ثلاثة من الدول الغربية المشاركة في السبع الكبرى ليست على ذات مستوى الحماسة البريطانية الأميركية. وذلك بالطبع يصب في مصلحة بوتين، وهو ما يدركه تحالف ضفتي الأطلسي.
مشكلة أوروبا أنها تتحدث كثيراً عن القيم والمبادئ، وفي الوقت نفسه تبدو عاجزة عن مواكبة ترجمة ذلك إلى أفعال تستعد فيها لدفع الأثمان، إذا تعلق الأمر بالمصالح الوطنية. فلا يمكن فصل موقف إيطاليا المترددة بشأن قطع الطاقة الروسية، بغياب البدائل مع ارتفاع مطرد لأسعار الطاقة والغذاء والتضخم؛ عن مواقف أخرى استثمر بوتين فيها، فالموقف المجري، برئاسة فيكتور أوربان، على سبيل المثال، ليس أقل تفلتاً من التقيد بالعقوبات الغربية ضد موسكو.
أمام المجتمعين في قمة السبع الكبار أسئلة كثيرة لمواجهة رهان موسكو على عامل الزمن لإرهاق القارة العجوز، وخلق تصدعات أكثر كلما توسّعت فاتورة العقوبات وغابت البدائل.
هناك 12 دولة أوروبية تعتمد على واردات الغاز الروسي بنسبة لا بأس بها، ويلعب بوتين بهذه الورقة في محاولة لانتزاع مواقف أكثر اعتدالاً. وفي لقاء بطرسبرغ الاقتصادي الأخير، كرر بوتين الحديث مجدداً عن الأثمان التي ستدفعها المجتمعات الأوروبية من جيوبها، محاولاً تأليب الشارع على المؤسسات الحاكمة.
وقبيل انتهاء موسم الصيف، أي بنهاية الشهر الثامن، ستبدأ دول القارة، بحسب الخبراء، بالبحث عن ملء الخزانات استعداداً للشتاء القادم، وبالتالي سيمضي بوتين بخطته نحو إحداث مزيد من التصدعات، أو على الأقل خفض مستوى الخطاب المتحدي لروسيا.
بالطبع، لا يستطيع بوتين إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل 24 فبراير/شباط، أو إنهاء حال الاستنفار العسكري المتوسع الانتشار حول روسيا، أكثر مما جرى طوال فترة ما بعد الحرب الباردة، والكرة تبقى في ملعب “الكبار” الآن.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: