قل ولا تقل: من قاموس أوسلو!
- اتفاق أوسلو يعتبر قيام السفارات الفلسطينية بشرح القضية عملا معادياً لإسرائيل!
- صارت فلسطين قضية إسرائيلية داخلية، يناقشها الكنيست، ويُقرر فيها على مزاجه.
- بسبب اتفاق أوسلو وتحكُّم إسرائيل بمفاصله، وصلت الحال الفلسطينية الى العجز وانسداد الأفق.
- أوسلو انقلاب في المعاني الأساسية للصراع، وانقلاب في الهوية وفي صورة الآتي.
- لماذا انفصلت القدس وأهلها عن الضفة الغربية بسهولة؟
- ماذا تبقى؟ سنتذكر التنسيق الأمني، ولن نحكي لأنه… “مقدّس”!
بقلم: فاتنة الدجاني
ليس المقصود هنا كتاب “قل ولا تقل” للغوي العراقي مصطفى جواد حيث يبيّن ما يجوز ولا يجوز في اللغة العربية، بل الإشارة إلى أبعادٍ ومعانٍ ولّدتها المقارنة التلقائية بين خطابيْ الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
مواقع التواصل الاجتماعي تخاطفت خطاب مهاتير. لقد قال في مصلحة الفلسطينيين وقضيتهم ما لم يقله أحدٌ من قبله بهذا الوضوح، حراً طليقاً من القيود ومن محاذير القول، مؤكداً أن أصل كل الإرهاب في العالم هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
في موازاته، ظهر خطاب عباس مقيّداً كما في خطاباته السابقة من على المنبر ذاته، كأن نصَّه مرَّ على رقيب، أو أنها الرقابة الذاتية التزاماً بقاموس أوسلو، فليس في الخطاب ما أغضب الرئيس دونالد ترامب، أو أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على مجرد ذكر القضية.
بعد ربع قرن على تجربة أوسلو، صار واضحاً أن المسألة ليست قاموساً فقط يُحدد ما يقال وما لا يقال، بل ربما الأدق أنها “خريطة طريق” بالمعنى السياسي!
فلا يجوز وفق اتفاق أوسلو كذا وكذا، ولا يحق ولا يصح… وما يجوز مشروط بمراحل تحضيرية وانتقالية تمتد سنين.
وغني عن القول إن من التزم الشروط هو الجانب الفلسطيني، فيما تحلّلت إسرائيل من أي التزام ورفضت تنفيذ أدنى الخطوات، لكي يصبح من العبث التذكير بالاتفاق أو تعداد خروقه.
أسوأ ما في اتفاق أوسلو أنه أحدث قطيعة كاملة مع مكوّنات الموقف الفلسطيني منذ نكبة 1948، مروراً بتأسيس منظمة التحرير وصعود المقاومة في إطار حركة تحرر وطني بوصلتها تحقيق حلم العودة ودحر الاحتلال.
فما أبعد المسافة بين نقطة الانطلاق وما وصلت إليه حقائق جديدة فرضها اتفاق أوسلو، أهمها تحوُّل الحركة الوطنية ومنظمة التحرير ومؤسساتها التي كانت ترتبط بشبكة علاقات عربية ودولية، إلى مجرد مؤسسة يقرر مصيرها أعضاء الكنيست.
وبمعنى سياسي مرٍّ وجارح، صارت فلسطين قضية إسرائيلية داخلية، يناقشها الكنيست، ويُقرر فيها على مزاجه.
بسبب اتفاق أوسلو وتحكُّم إسرائيل بمفاصله، وصلت الحال الفلسطينية الى العجز وانسداد الأفق. وفي أي محاولة لفهم التحوّلات الجارية سلباً ضد القضية الفلسطينية، ستجد أن الاتفاق، سواء بنواقصه أو عدم التزام إسرائيل به، هو وراء كل نكبة.
لتسأل ما يخطر في بالك: لماذا استشرى الاستيطان؟ لأن اتفاق أوسلو لم يتطرق الى ذلك!
ولماذا انفصلت القدس وأهلها عن الضفة الغربية بسهولة؟ لأن أوسلو أرجأ البحث في قضية القدس وجعلها من القضايا النهائية التي تشمل أيضاً اللاجئين والمياه والموارد والحدود والمعابر، ليتبقى حكم ذاتي على المنطقة “أ” أو بعض المنطقة “ب”، وهذه تمثل 20 في المئة من الضفة، فيما المنطقة “ج” تحت الاحتلال إدارياً وأمنياً!
ولماذا غزة منفصلة؟
لأن إسرائيل لم تلتزم مسألة التواصل الجغرافي في اتفاق أوسلو! وماذا عن الفساد؟ هو أوسلو الذي أفسد طبقة بحالها حتى يتاحُ تمريره!
وماذا عن التغيير الاجتماعي الكبير وتحويل سكان الضفة الى طبقة مستهلكة؟ إنه أوسلو، كما يجيب الباحثون!
والاقتصاد؟ هنا مربط آخر اسمه اتفاق باريس الذي يحول دون استقلال اقتصادي أو نجاح مقاطعة البضائع الإسرائيلية!
ولماذا لا تنشط مكاتب المنظمة وسفراء فلسطين حول العالم لشرح القضية؟
لأن اتفاق أوسلو يعتبر مثل هذا النشاط معادياً لإسرائيل! وماذا تبقى؟ سنتذكر التنسيق الأمني، ولن نحكي لأنه… “مقدّس”!
أوسلو انقلاب في المعاني الأساسية للصراع، وانقلاب في الهوية وفي صورة الآتي.
والشاعر محمود درويش كتب في الصراع بين حركتي “فتح” و “حماس” قائلاً: “أنت منذ الآن غيرُك”. ولعل هذا ينطبق على أوسلو أيضاً.
لقد حَشر اتفاق أوسلو فلسطين في جوزة، الخروج منها لا يعني سوى كسرها، ومعها سياسة قُل ولا تقُل.
* فاتنة الدجاني كاتبة وصحفية فلسطينية
المصدر: الحياة