قطر بين الانسحاب من أوبك وقمة التعاون الخليجي
- هل من مستقبل لمجلس التعاون الخليجي في ظل الانفراد السعودي بالقرار فيما يتعلق بالأمن الجمعي الخليجي؟
- هل سيتبع انسحاب قطر من أوبك انسحاباً من مجلس التعاون الذي يعاني من ذات عوامل الضعف التي تعتري أوبك؟
- هل ينتج عن انسحاب قطر إعادة تشكيل أسواق الطاقة العالمية بعيداً عن هيمنة أوبك والتأثير السعودي الإماراتي على قرارها؟
- الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي لا يوفر بدائل سياسية يمكن أن تغير موازين القوى أو توفر كيانات بديلة.
بقلم: ماجد محمد الأنصاري
أعلنت دولة قطر على لسان وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي أنها أبلغت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك قرارها الانسحاب من المنظمة، القرار حسب الوزير فني وليس سياسياً.
لكن لا يمكن تجاهل البعد السياسي لـهكذا قرار في ظل استمرار الحصار على قطر والضغط الأمريكي على الرياض لرفع الإنتاج وبالتالي خفض أسعار النفط عالمياً.
كما يأتي الإعلان عن هذا القرار قبل أيام قليلة من انعقاد القمة الخليجية الثانية بعد بدء الحصار والتي يبدو أكثر وأكثر أنها لن تتضمن أي تقدم لا على مستوى ملف الأزمة أو غيره، كل ذلك يجعلنا نتساءل عن استراتيجية قطر في المرحلة المقبلة في ظل قرارها الانسحاب من أوبك.
ما هي مشكلة أوبك؟
بكل بساطة لم تعد المؤسسة التي أنشئت عام 1960 في بغداد لتواجه نفوذ شركات النفط الأمريكية وتحولت لاحقاً إلى المهيمن الأكبر على أسواق النفط العالمية مؤثرة بشكل كبير على الساحة مع فقدانها التزام الأعضاء بتنفيذ القرارات المتعلقة برفع أو خفض الإنتاج.
بدا ذلك واضحاً بشكل صارخ مع التطورات الأخيرة التي نتجت عن مطالبة الرئيس الأمريكي خفض أسعار النفط واستجابت الرياض التي تواجه تداعيات اغتيال خاشقجي عبر رفع إنتاجها خلافاً للمتفق عليه في المنظمة.
ومع تكرار مثل هذه الممارسات أصبحت أوبك غير ذات قيمة في معادلة الطاقة الدولية سوى من حيث كونها منصة للرياض للدفع بأجندتها مع بقية المصدرين عند الحاجة.
قطر من ناحيتها ليست من كبار مصدري النفط عالمياً حيث لا يمثل إنتاجها سوى 609 آلاف برميل يومياً أي أقل من 2 في المائة من إنتاج الدول الأعضاء في أوبك.
الانسحاب القطري بعد عضوية استمرت 57 سنة والذي طرح باعتباره قراراً غير سياسي يدفع لتكهنات عديدة حول السياسة التي ستتعامل بها قطر مع الانفراد السعودي ليس على مستوى سوق النفط فحسب بل حتى على مستوى مجلس التعاون الخليجي الذي يفترض أن يلتئم شمله عبر استضافة السعودية للقمة.
هذه الاستضافة بلا شك ستعقد المشاركة القطرية التي كانت على أعلى مستوياتها حين عقدت القمة في الكويت في مقابل تمثيل متدن من دول الحصار، وفي ظل استمرار الحصار لا يتصور أن تشارك قطر على مستوى سمو الأمير.
والتساؤل هو هل من مستقبل لمجلس التعاون الخليجي في ظل الانفراد السعودي بالقرار فيما يتعلق بالأمن الجمعي الخليجي؟ وهل سيتبع انسحاب قطر من أوبك انسحاباً من مجلس التعاون الذي يعاني من ذات عوامل الضعف التي تعتري أوبك؟
الانسحاب من أوبك يبدو حسب تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة في قطر أنه سيتبع بخطوات إستراتيجية دولية ربما تكون على شكل شراكات كبرى مع لاعبين دوليين أو توسيعاً لنطاق منظمات موازية للأوبك في سوق الطاقة مثل منظمة الدول المصدرة للغاز.
وبالتالي قد ينتج عن الانسحاب القطري إعادة تشكيل لأسواق الطاقة العالمية بعيداً عن هيمنة أوبك، وحسب بعض المصادر فإن العلاقة بين قطر والمنظمة واجهت تحديات بسبب التأثير السعودي الإماراتي على اتخاذ القرار فيها.
ومع حديث الوزير القطري عن التركيز على الغاز لا يسعنا إلا استنتاج أن قطر تريد الانتقال من التركيز على عضويتها في أوبك التي تعتبر فيها منتجاً صغيراً إلى التركيز على مكانتها بمنظمة الدول المصدرة للغاز التي تعتبر هي المنتج الأكبر فيها.
يضاف إلى ذلك أن العلاقة بين قطر وروسيا على مستوى أسواق الطاقة قد تعززت بشكل كبير، فالدولتان منتجتان رئيسيتان للغاز الطبيعي وقطر استثمرت مؤخراً بحصة تصل إلى 10 في المائة في عملاق إنتاج النفط الروسي “روس نفط”.
ومع الانسحاب القطري يكون كبار منتجي الغاز الطبيعي في العالم خارج منظومة أوبك، كل ذلك يبدو افتراضياً في إطار المناخ العالمي اليوم ولكن الأبواب تبقى مفتوحة أمام قطر لخيارات بديلة على رأسها تعزيز استقلالية أسواق الغاز الطبيعي العالمية عن أسواق النفط.
الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي من الناحية الأخرى لا يوفر الشيء نفسه، وأعني بذلك البدائل السياسية التي من الممكن أن تغير موازين القوى أو توفر كيانات بديلة.
فرغم هذه الأزمة واستمراريتها لا يلوح في الأفق أي تشكيل سياسي بديل، ورغم الإدراك العام لفشل المجلس في تحقيق أهدافه وعلى رأسها الأمن الجماعي لدول الخليج إلا أن أعضاءه بمختلف مواقفهم من الأزمة لا تتوفر لديهم الظروف للانخراط في كيانات بديلة.
ولا يبدو أن أحداً يريد أن يكون هو من يطلق رصاصة الرحمة على هذا الكيان، بالإضافة للمكانة الرمزية لمجلس التعاون والتي تجعل الانسحاب منه أكثر صعوبة.
لكن مع ذلك، وفي حال توفرت خيارات بديلة لأحلاف في المنطقة قد تجد قطر وغيرها أن العضوية في مجلس التعاون الخليجي عبء سياسي إذا استمر تهميش المجلس ومؤسساته من ناحية وتوظيف أمانته العامة من ناحية أخرى من قبل دول الحصار.
يمثل الانسحاب من منظمة أوبك اتجاهاً استراتيجياً قطرياً جديداً، هذا الاتجاه ينطلق على ما يبدو من الرغبة القطرية في الاعتماد على المصالح الوطنية القطرية كنقطة ارتكاز في الموقع الدولي لقطر.
وبالتالي نتوقع أن نشهد خلال الفترة القادمة المزيد من القرارات والاتجاهات التي تعيد تموضع قطر في الساحة الدولية عبر إعادة تشكيل تحالفاتها ومشاركاتها الدولية بما يتفق مع المصالح الإستراتيجية لقطر والطموحات الاقتصادية والسياسية لقطر في المنطقة وحول العالم.
* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة قطر.
المصدر: الشرق – الدوحة