- قصف تل أبيب المواقع الإيرانية أو السورية متفق عليه بين الطرفين الروسي والإسرائيلي.
- يتداخل اتفاق موسكو وتل أبيب ضد طهران مع احتقار النظام السوري وضباطه ومنظومته الدفاعية.
- علاقة روسيا بالنظام علاقة احتلال أما إسرائيل فعلاقة أقوياء يقدّر أحدهم قدرة الآخر على البلطجة والإيذاء.
مفارقات سقوط الطائرة الروسية في سوريا
اجتمع في حدث إسقاط كتيبة دفاع جوّي سورية في اللاذقية للطائرة الروسية «إيل 20» ومقتل 15 ضابطا وجنديا كانوا على متنها الكثير من المفارقات السياسية والعسكرية المثيرة للجدل.
أول هذه المفارقات هو أن سقوط الطائرة حصل خلال غارات جوّية إسرائيلية على مواقع عسكرية قيل إن إيران تستخدمها لتزويد «حزب الله» اللبناني بالسلاح.
وإذا كنا لا نعلم إن كان انطلاق صواريخ منظومة الدفاع الجوّي السورية ضد الغارات الإسرائيلية مقصودا به صد الهجوم على المواقع المحسوبة على إيران أم لا فلا شك أن النتيجة فاجأت الجميع.
لعلّ أول المتفاجئين كانت قيادة النظام السوري نفسها وضباطها الذين رموا صواريخهم لصدّ طائرة إسرائيلية فأسقطوا طائرة تجسس ثمينة لـ«الحليف» الروسي.
غير أن الضربة على «أم الرأس» تلقّاها الروس الذين طاش صوابهم فأخذوا يلقون تصريحات الاتهام على عواهنها، بدءا من اتهام الفرقاطة «أوفيرن» الفرنسية (وهو ما أنكره الفرنسيون بشدة).
وبعدها تم الحديث عن اختباء الطائرات الإسرائيلية خلف جسم الناقلة الروسية وإعلان موسكو عن «الاحتفاظ بحق الرد»، ليخرج الرئيس الروسي بنفسه ويقول إن السوريين هم من أسقطوا الطائرة نافيا التهمة عن إسرائيل التي «لم تسقط طائرتنا».
«الشيطان يكمن في التفاصيل»، كما يقول المثل الإنكليزي، وتفضح تفاصيل الحادثة وقائع تشبه المثل المذكور، فتصريح الروس عن تأخر الإسرائيليين في إعلامهم بالغارة يعني أن قصف تل أبيب المواقع الإيرانية (أو حتى السورية) هو أمر متفق عليه بين الطرفين.
لكنّ الإسرائيليين، لسبب ما، قرّروا تعديل الاتفاق الزمني لمدة إبلاغ الروس (من 15 دقيقة إلى دقيقة واحدة)، ربما لأهمية الموقع المستهدف وضرورة مفاجأته، أو لأن الاتفاق مطّاط ومرن وأن الإسرائيليين (والروس) لم يدخل في حسبانهم وجود طائرة تجسس مهمة واستهداف الطائرات الإسرائيلية للساحل السوري، أو لاقتناعهم بعدم فاعلية دفاعات النظام السوري (التي هي أسلحة روسيّة!).
بذلك يتداخل اتفاق موسكو وتل أبيب ضد طهران مع الاحتقار المركّز ضد النظام السوري وضباطه ومنظومته الدفاعية (وهو ما عبّر عنه بصراحة خبير عسكري روسي بقوله إن الضباط السوريين غير مدربين جيدا ولا يستطيعون تبين الصديق من العدو).
توضّح مسارعة الرئيس الروسي إلى الهبوط من على «شجرة» تهديد إسرائيل، وتقبّله «الفلسفي» للكارثة الجوّية (مع تمييزها عن إسقاط تركيا لطائرة روسية عام 2015) أن ما يجمع بين روسيا وإسرائيل صار أكثر أهمّية مما يجمعها بحليفها السوري المفترض (ناهيك عن إيران).
وتشير الأنباء المتداولة عن تحقيق ضباط روس مع قادة كتيبة الدفاع الجوي 44 التي أسقطت الطائرة الروسية إلى أن العلاقة بين روسيا والنظام السوري صارت علاقة المحتلّ بسكان البلاد التي يحتلها.
أما العلاقة مع تل أبيب فعلاقة الأقوياء الذين يقدّر الواحد قدرة الآخر على البلطجة والإيذاء ويتصرّف بناء على هذه المعادلة.
يبقى القول إن «سلسلة الظروف المأساوية» (على حد تعبير بوتين) لم تتكشف أسرارها كلها بعد.
فوجود هذا العدد الكبير من الجنود في طائرة تجسس «فائقة القدرات»، حسب الوصف الروسي، ومصادفة وجودها في وقت الغارة، وصمت النظام السوري عما جرى، وسبب امتناع الإسرائيليين عن إبلاغ الروس بغارتهم، وعدم كشف معلومات بعد عن جثث الطاقم وأنقاض الطائرة، ووضع اللوم على منظومة الصواريخ في عدم التعرف على الطائرة الصديقة، كلّها أسئلة مفتوحة لا نعلم إن كانت ستتكشف أسرارها أم لا.
المصدر: «القدس العربي»