سيرتفع عدم المساواة في الدخل والفقر إذا لم يتم الحفاظ على القوة الشرائية لأدنى الأجور.
التعافي الذي تشتد الحاجة إليه بعد الجائحة يمكن أن يتعرض للخطر مما يؤجج الاضطرابات الاجتماعية بأنحاء العالم، ويقوّض تحقيق الرخاء والسلام للجميع.
أصحاب الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً: تظهر أدلة 2022 أن ارتفاع التضخم يؤدي لتراجع نمو الأجور الحقيقية لأرقام سلبية في بلدان عديدة.
ارتفاع كلفة المعيشة أكبر مؤثر في ذوي الدخل المنخفض وأسرهم فهم ينفقون معظم دخلهم على سلع وخدمات أساسية تشهد أكبر زيادات بالأسعار.
التضخم يقضي على القوة الشرائية للحد الأدنى للأجور فرغم التعديلات الاسمية التي تحدث، تتآكل القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور بسرعة في بلدان عديدة.
* * *
بقلم: د. علي توفيق الصادق
يبحث تقرير الأجور العالمي 22- 23 الذي أعدته منظمة العمل الدولية، والصادر بتاريخ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، في تأثير التضخم وفيروس«كوفيد 19»، في الأجور والقوة الشرائية، وتطور الأجور الحقيقية، ويعطي صورة فريدة لاتجاهات الأجور على مستوى العالم والمنطقة.
ويبيّن التقرير أن تزامن أزمة جائحة «كوفيد 19» وأزمة كلفة المعيشة، أثر في الأجور والقوه الشرائية عبر البلدان والمناطق. ويبيّن التقرير أنه لأول مرة يكون نمو الأجور الحقيقية سالباً في القرن الواحد والعشرين، في حين أن إنتاجية العمل الحقيقية استمرت في النمو.
إن تآكل الأجور الحقيقية يؤثر في جميع العاملين بأجر، ولكنه يكون أكبرتأثيراً في الأسر ذات الدخل المنخفض التي تنفق نسبة أعلى من الدخل المتاح لها على السلع والخدمات الأساسية. كما أن أسعارها تزداد بشكل أسرع من أسعار غير الأساسية.
لقد تجسد الانخفاض في الأجور الحقيقية في خسائر كبيرة في الأجور تكبّدها العمال وعائلاتهم خلال أزمة فيروس «كوفيد 19». ووجد التقرير أن العامل الرئيسي وراء تراجع إجمالي فاتورة الأجور، على وجه الخصوص خلال عام 2020 والربع الأول من عام 2021، كان خسارة في العمل.
وأصحاب الأجور المتدنية والعاملون فيها، والاقتصاد غير الرسمي، والنساء العاملات بأجر، كانوا المجموعات الأكثر معاناة، إضافة إلى انخفاض إجمالي فاتورة الأجور عند الطرف الأدنى من توزيع الأجور.
كما أن الأسر التي اضطرت للدخول في الديون لتغطية نفقاتها أثناء مواجهة أزمة «كوفيد 19» تواجه عبئاً مزدوجاً لسداد ديونها بأسعار فائدة أعلى، بينما يكسبون مداخيل منخفضة.
بشكل عام، فإن الأدلة التجريبية تشير إلى احتمال زيادة عدم المساواة في الدخل بين/ وداخل البلدان. وفي حالة عدم وجود سياسات تعويضية، فإنه يمكن أن ينعكس تدهور الدخل الحقيقي للعمال في انخفاض إجمالي الطلب. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمال ركود أعمق، وهو خطر يزداد سوءاً بالفعل بسبب السياسات النقدية المتشددة المعتمدة من قبل البنوك المركزية في جهودها للقضاء على تضخم الأسعار.
وهذا بدوره من شأنه أن يعرض الاقتصاد للخطر، في تزايد عدم المساواة وتأجيج الاضطرابات الاجتماعية. علماً بأن دستور منظمة العمل الدولية يؤكد أن «السلام الشامل والدائم يمكن أن يتحقق إذا كان يقوم على العدالة الاجتماعية فقط»، ويدعو إلى ذلك «الأجر المتساوي عن العمل المتساوي القيمة» و«السياسات المتعلقة بالأجور والمكاسب، وضمان نصيب عادل من ثمار التقدم للجميع».
ويعرض التقرير في الفصل الأخير سلسلة من تدابير السياسة التي يمكن أن تعمل على تشكيل سياسات الأجور المناسبة وبالتالي المساهمة لتعزيز شعور الناس بالعدالة الاجتماعية، والحد من عدم المساواة في عالم العمل. وعلى أية حال، يعرض التقرير اهم النتائج التالية التي توصل إليها:
* أصحاب الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً: تشير الأدلة لعام 2022 إلى أن ارتفاع التضخم يتسبب بتراجع نمو الأجور الحقيقية إلى أرقام سلبية في العديد من البلدان.
* ارتفاع كلفة المعيشة له أكبر الأثر في ذوي الدخل المنخفض وأسرهم، لأنهم ينفقون معظم دخلهم المتاح على السلع والخدمات الأساسية، والتي تشهد عموماً زيادات في الأسعار أكبر من السلع غير الأساسية.
* التضخم يقضي على القوة الشرائية للحد الأدنى للأجور. فعلى الرغم من التعديلات الاسمية التي تحدث، فإن القيمة الحقيقية للحد الأدنى للأجور آخذة في التآكل بسرعة في العديد من البلدان.
*خسر الموظفون بأجر، ستة أسابيع من رواتبهم بسبب أزمة فيروس كورونا. ويأتي تآكل الأجور الحقيقية، إضافة إلى الخسائر الكبيرة في الأجور التي تكبدها العمال وأسرهم خلال أزمة فيروس كورونا.
* تظهر البيانات من نحو 30 دولة تغطي جميع المناطق ومجموعات الدخل، في المتوسط، أن الموظفين بأجر فقدوا نحو ستة أسابيع من أجورهم خلال 2020-2021. وكانت الخسارة أكبر بين النساء والعاملين في الاقتصاد غير الرسمي، والعاملين ذوي الأجور المنخفضة، والعاملين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
* الحد الأدنى للأجور والحوار الاجتماعي أساسيان للحفاظ على مستويات معيشة العمال بأجر.
* هناك حاجة ملحّة لإجراءات سياسية جيدة التصميم للحفاظ على القوة الشرائية ومستويات المعيشة للعمال بأجر وأسرهم.
* يمكن أن يكون التعديل المناسب للحد الأدنى للأجور أداة فعالة، بالنظر إلى أن 90% من الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية لديها أنظمة الحد الأدنى للأجور.
* يمكن أن يساعد الحوار الاجتماعي القوي، بما في ذلك المفاوضة الجماعية، في تحقيق تعديلات مناسبة للأجور أثناء الأزمة. وأنهي المقال بكلمات من مدير عام منظمة العمل الدولية:
«سيرتفع عدم المساواة في الدخل والفقر إذا لم يتم الحفاظ على القوة الشرائية لأدنى الأجور. وإضافة إلى ذلك، فإن التعافي الذي تشتد الحاجة إليه بعد الجائحة يمكن أن يتعرض للخطر. وهذا يمكن أن يؤجج المزيد من الاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، ويقوّض هدف تحقيق الرخاء والسلام للجميع».
*د. علي توفيق الصادق مستشار وخبير مالي اقتصادي
المصدر: الخليج – أبو ظبي
موضوعات تهمك: