ثمّة نافذة فرصٍ غير مسبوقة تعطي العرب الحق في إنهاء الحلم الصهيوني المتوحش
ليسوا مجرد مخالفين عاديين للقانون، بل مجرمون دوليون، يجب تقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية!
بقلم: حلمي الأسمر
يُقال في الأمثال الشعبية إن “مسبّة الدين لا تكتب”، ما يعني أنك يمكن أن تكون كافرا بالأديان، لعانا شتاما، لكنك لا تكتب شتيمتك للدين، وتحوّلها إلى وثيقة لإدانتك.
كتب الدبلوماسي الصهيوني القديم، ألون ليئال، في “تويتر” أن “الأبارتهايد في جنوب أفريقيا سقط ليس بسبب أنه كانت هناك عنصرية، بل لأنها كانت موجودة في قانون”.
فالكيان الصهيوني كيان عنصري بالممارسة، منذ اليوم الأول لقيامه، لكنه كان يلبس لبوسا ديمقراطيا يجمّل وجهه القبيح، ليأتي قانون القومية ليميط اللثام، ويرمي القناع التجميلي ويدوس عليه.
ما كتب عن هذا القانون، في صحافة اليهود والعرب والعجم عموما، ربما يستعصي على الحصر، لكن أحدا لم يكد يتطرّق إلى الجانب الأكثر أهمية فيه، وهو باعتباره قانون أساس، ينقض القانون الأساس الذي قام بموجبه كيان العدو.
وهو قانون ما تسمى ” وثيقة الاستقلال”، ما يعني أن قادة الكيان اليوم أعطوا العالم من حيث لم يريدوا السكين الذي يمكن أن يُذبحوا بها، قانون “قومية الدولة” ليس نكبة ثانية للفلسطينيين، بل هو نكبة حقيقية للصهاينة، و”للآباء المؤسسين للدولة”، وهو البداية الفعلية لعملية طويلة، ستنهي الحلم الصهيوني، إن أحسن استخدامها..
“إسرائيل” كيان عنصري بامتياز، يكرّس سيطرة اليهود على كل شيء، ويتنكّر بالأفعال لحقوق الملايين من الفلسطينيين من مواطني “الدولة”، سواء في الأراضي التي احتلت عام 1948 أو 1967، لكن لم يكن هذا الإنكار والتعدّي مدوّنا بقانون أساس، كقانون القومية،
كانت كل الممارسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال عنصرية تمييزية، هدفها سلب الفلسطيني، أينما كان، حقه في أرضه، وفي تحقيق أبسط أحلامه، لكن هذا السلوك الاحتلالي الإحلالي الاستعماري كان مغلفا بقوانين مغسولة ظاهرا بماء ديمقراطي وإنساني، استنادا إلى “وثيقة الاستقلال” التي نصّت صراحة على أنها: مرتكزة على قيم الحرية والعدل والسلام.
تحقق المساواة التامة في الحقوق لجميع مواطنيها من دون تمييز. تضمن حرية المواطنين والأقليات. تحافظ على الأماكن المقدسة لجميع الديانات. ستدار بواسطة مؤسسات منتخبة من المواطنين. تضمن للمواطنين العرب مواطنة كاملة ومتساوية، وعلى أساس تمثيل ملائم.
يقول رجل القانون الصهيوني، إيهود إلياهو، مفسرا سر الفقرة التي تتحدث في الوثيقة عن الحقوق المدنية في “الدولة” الوليدة، أن هذا جاء متساوقا مع الفقرة ج من قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، وأن بن غوريون فهم ماذا يريد العالم، وعمل حسب ما يتوقعون منه.
ويوضح الكاتب عودة بشارات، في مقال مهم له في صحيفة هآرتس (6\8\2018) بعنوان “مجرمو قانون القومية إلى لاهاي”، هذه المسألة الخطيرة قائلا: تطلب الفقرة ج من الدولتين اللتين ستقومان تبني مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية.
وتم التأكيد فيها، ضمن أمور أخرى، على “عدم مصادرة الأراضي” التي تعود إلى عربي في الدولة اليهودية، وتعود إلى يهودي في الدولة العربية، “عدا للأغراض العامة”.
ويضيف أن قرار الأمم المتحدة ينص على أن “الشروط المشمولة في البيان تعتبر قوانين أساس للدولة… وأي قانون، تعديل أو عمل رسمي لن يكون له قوة سريان أكثر من قوة هذه القوانين”.
التعليمات التي تظهر في الفقرة “تضمنها الأمم المتحدة، وأي تعديلات لن تجرى عليها بدون موافقة عامة في الأمم المتحدة”، و”كل خلاف يتعلق بتفسير هذا البيان يتم تقديمه بناء على طلب أحد الأطراف إلى محكمة دولية”.
وقد جاء قانون القومية ليحل محل قانون أساس منعت الأمم المتحدة التلاعب فيه، حسب بشارة الذي يضيف أن من سنوا قانون القومية هم مخالفون للقانون.
ليسوا مجرد مخالفين عاديين للقانون، بل هم مجرمون دوليون، يجب تقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي! دولة تراجعت عن إعلان استقلالها الذي يقوم على قرار الأمم المتحدة تقوّض شرعيتها الدولية.
ويوجد للعرب والديمقراطيين في إسرائيل حق في التوجه إلى الأمم المتحدة، والمطالبة باتخاذ خطوات ضد “الآباء المنكلين”، ويعني بذلك رموز اليمين الذين يتحكّمون بكل شيء اليوم في كيان العدو.
ليس للعرب اليوم الذين يولولون من قانون القومية الصهيوني أن يكتبوا المعلقات في ذم هذا القانون، وبيان “خطورته” على قضية فلسطين، بل عليهم أن يستخدموا هذه السكين الجيدة التي سنها قادة الصهاينة، لذبح عنصريتهم وانقلابهم، ليس على وثيقة “استقلالهم”، بل على نصوص صريحة للأمم المتحدة.
ترسلهم إلى محكمة جرائم الحرب الدولية، ما دام العرب اختاروا أن يواجهوا عدوهم فقط في ساحات القانون الدولي، والأمم المتحدة.
يكفي إدانات وبيانات تشجب قانون القومية الصهيونية، فثمّة نافذة فرص غير مسبوقة، تعطي العرب الحق في إنهاء الحلم الصهيوني المتوحش، وفق وثيقة إعلان استقلال “دولته”، ونصوص قرار تقسيم فلسطين.
طبعا سيقال هنا إن ثمّة من يحمي كيان العدو الصهيوني، ويدافع عنه في ساحات القانون الدولي، وهذا صحيح، فله بكاؤون كثيرون، في مقدمتهم الرئيس الأميركي ترامب، وعصبته الحاكمة.
لكن هذا لا يمنع من خوض تلك المواجهة، استنادا إلى قيم حقوق الإنسان التي يتغنى بها العالم المنافق، ووفق النصوص التي يقوم عليها النظام الدولي المدوّن.
- حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن.
المصدر: «العربي الجديد»