في عقل طيب تيزيني
يتمحور مشروع الفيلسوف السوري الراحل طيب تيزيني حول مأساة العالم العربي في طبيعة العلاقة بين العربي في داخل وطنه، وبين العالم الخارجي الأقوى، تتكون من اتباع العقل العربي للخارج وأنه ليس لديه خيار إلا أن يكون جزءا من تابعي أي ممن في الخارج، ورؤية الخارج ذات الفكرة في وجوب امتلاكه إرادة الداخل العربي بأي طريقة ممكنة.
كما يعتبر المفكر الراحل، العالم العربي موقع عظيم ويريد الجميع التحكم به، وبالرغم من وصفه للعالم العربي بأيقونة التاريخ، إلا أنه يؤكد على أنها جوهرة في يد لا تستطيع حمايتها، معتبرا أن من في يده العالم العربي لم يفعلوا إلا أن جعلوه مجرد تابع للعالم الخارجي، مما جعل الأغيار أسيادا عليه.
يلفت تيزيني الانتباه إلى أن هناك ما يمكن وصفه بالعجز في التعامل مع الآخر أو فهمه وفهم طبيعته وطبيعة قوته وإمكاناته والتعامل بندية على أساسه بسبب الانسحاق الحضاري ومجرد رؤوية الذات الخارجية المتضخمة، مما يجعل رؤيته مشوشة، وتجعل العربي عاجز عن تغيير تلك القناعة أو التعامل معها بمبدأ محاولة التصليح والتغيير، كما يعجز عن التعامل مع الخارجي بشكل ندي إلى ند له، ما جعل تيزيني يعبر عن مدى ألمه مما تؤول له الأوضاع في العالم العربي من قبل أنداده في الخارج.
المشروع الوطني
أكد التيزيني خلال مقالاته على أن انتاج مشروع وطني، يكون من خلال أصالة العالم العربي ذاته وليس بانتساخ ومحاولة صناعة ما يملكه الآخرون من أفكار وبنية فكرية داخل العالم العربي ومشروعه، مما يجعله يطالب بالعمل على إعادة بناء الفكر العربي ويدفعه للتعامل بشكل معمق مع منظومة الفكر الإسلامية وبشكل علمي بناء يتم بحث تلك العلاقة.
وعادة ما يعبر التيزيني في تنظيره عن أن الوضع العربي الحالي فشل في التعامل مع المتغيرات الهائلة التي تحدث فيه وأن يستطيع التعامل مع صراعاته، حيث أهمل التعامل البنيوي مع نفسه على أن له فكر عربي قبل إسلامي ما يجعل التقدمية الإسلامية في زمانها هشة حيث لا تستند على ما قبلها.
وعن الجهل يتحدث المفكر السوري الراحل عن أن العالم العربي لديه جهالة واضحة في تناوله وقراءته لواقعه، حيث ينظر لنفسه نظرة استشراقية، منتدا محمد عابد الجابري، حيث أن الجهل جاء خلال إهماله نقد العقل العربي فيما كان قبل الإسلام وتوجيه النقد للإسلام فقط.
يرى طيب تيزيني أن الجابري لديه خطأ مفصلي يكمن في اعتبار البنية الفكرية العربية كلها ليست مكتملة بما يكفي لترقى لأن تكون ندا للعقل الغربي، حيث ينتقده ويصفها بأنها لم تكن دقيقية أبستمولوجيا، منتقدا دعوته للذوبان في عقل الغربيين.
ولفت الكاتب السوري إلى أن العديد من المفكرين والمؤرخين كتبوا عن الوجه الشعري فيما قبل الإسلام عند العرب لكنه أغفلوا تماما الواقع النظري والفعلي لحياتهم.
لكنه يعود ويؤكد أنه في ذلك الوقت كان الوعاء الذي يضم الأيديولوجيا دينيا، ما جعل الفكر محدودا بالوعاء الديني دون أن يدع له الفرصة في أن يشكل مساره الخاص به، مما جعل الفكر العربي والإسلامي في مسار واحد محسوبين كليهما على كليهما، لافتا إلى أن هذا يعد خطأً معرفيا كبيرا.
وحول الجابري يضيف تيزيني أن المعضلة لديه كانت في أن أداته المتقنة كانت غربية، ما دفعه للتعامل مع العربي بالأداة الغربية مما جعله ذلك في مفارقة.
يرى طيب تيزيني أنه يجب أن يكون هناك نقدا للمورث الفكري العربي والإسلامي معا، للبحث عن الفارق والبناء عليه، ما يمكن للفلسفة الإسلامية والعربية تصحيح أوضاعها التاريخية، لتتمكن من أن تجعل لنفسها قاعدة بنيوية قوية تساعد الفكر في التطور اجتماعيا، داعيا إلى استمرارية النقد وعدم إهمال العقل حتى لا يستمر العقل العربي عاجزا عن الخروج من مأزقه التاريخي.
موضوعات تهمك:
فضيحة فلسفية وفاة طيب تيزيني ورثاء البرقاوي له
اجترأ على أتاتورك فسجنوه واتهموه بالجنون.. وفاة المؤرخ التركي قدير مصر أوغلو
بؤس التراثيين العرب أحمد برقاوي موقفه من طيب تيزيني وغيره من المتفلسفين
عذراً التعليقات مغلقة