أكد بايدن خلال الزيارة أن أمريكا “باقية” في المنطقة لأنها “لن ترحل فتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.
لا يجوز اعتبار زيادة ضخ النفط الهدف من الزيارة. فلا يوجد رئيس أمريكي يُقدِم على زيارة خارجية دون أن يعرف مسبقًا السقف الممكن تحقيقه منها.
مع اقتصاد مأزوم ورأى عام منهك من التورط الخارجي، لأي مدى يمكن لإدارة بايدن، أو غيرها، أن تفعل ما تتمنى، أي وجود الهيمنة بكل مناطق العالم؟
الصين لا تشكل تهديدًا إلا إن كانت أمريكا تعتبر نفسها إمبراطورية لابد أن تهيمن على العالم دون منازع لا مجرد دولة عظمى لها مصالح شأن دول عظمى أخرى.
الهدف الاستراتيجي لزيارة بايدن كان متعلقًا بالصين لا بالنفط. وتصريحاته خلال الزيارة كان لها دلالة بالغة تكشف عن حجم الأزمة التي تشعر بها بلاده اليوم.
رغم أن بايدن ذكر روسيا وإيران مع الصين لكن المتابع للشأن الأمريكي يدرك أن الصين هي المقصد فليس سرًا أن أمريكا ترى الصين التهديد الاستراتيجى الأول لها.
هل ستختار أمريكا وكلاء محليين بكل إقليم أم تقيم محاور استراتيجية تخدمها؟ وما الثمن الذي ستدفعه إدارة بايدن لأطراف محلية بكل إقليم لتقليص وجود الصين بها؟
* * *
بقلم: د. منار الشوربجي
لأن التصريحات السعودية السابقة على زيارة بايدن كانت واضحة بخصوص ضخ النفط في الأسواق، فلا يجوز اعتبار زيادة ضخه الهدف من الزيارة. فلا يوجد رئيس أمريكي يُقدم على زيارة خارجية دون أن يعرف مسبقًا السقف الممكن تحقيقه من ورائها.
لذلك فإن الهدف الاستراتيجي لزيارة بايدن كان، في تقديري، متعلقًا بالصين لا بالنفط. وتصريحاته خلال الزيارة كانت ذات دلالة بالغة تكشف عن حجم الأزمة التي تشعر بها بلاده اليوم. ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ثم في القمة التي جمعته بالزعماء العرب، استخدم الرئيس الأمريكي التعبيرات نفسها.
فهو أكد أن أمريكا “باقية” في المنطقة لأنها “لن ترحل فتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”. ورغم أن بايدن ذكر روسيا وإيران مع الصين في العبارة المكررة، إلا أن المتابع عن كثب للشأن الأمريكي يدرك بوضوح أن الصين هي المقصد. فليس سرًا أن الولايات المتحدة صارت تعتبر الصين التهديد الاستراتيجي الأول لها.
وفى الحقيقة فإن الصين لا تشكل تهديدًا إلا في حالة ما إذا ما كانت أمريكا تعتبر نفسها إمبراطورية لابد وأن تظل تهيمن على العالم دون منازع، لا مجرد دولة عظمى لها مصالح مثلها مثل دول عظمى أخرى.
ومفهوم الفراغ الذي استعمله بايدن هو جوهر ذلك المعنى. ذلك لأن الأقاليم الجغرافية للعالم المأهولة بأصحابها ومصالحهم لا يمكن الإشارة إليها بمنطق المملوء والفارغ إلا إذا كان المقصود هو الهيمنة.
والأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم جوهرها أنها تدرك جيدًا أنها بالمقارنة بنفسها، لا بغيرها، في فترات سابقة في انحسار متسارع. فبينما كانت مستوعبة بالكامل في أفغانستان والعراق وأنفقت المليارات، صعدت الصين حتى صار نفوذها يهدد الهيمنة الأمريكية ليس فقط من الناحية الاقتصادية وإنما، وهو الأهم، تكنولوجيًا.
وإدارة أوباما، التي كان بايدن فيها نائبًا للرئيس، كانت تُعد خططًا للانسحاب من الشرق الأوسط من أجل التركيز على آسيا لمواجهة التحدى الصينى، وهو المسار الذي لم يعارضه ترامب.
وكان واضحًا منذ اللحظة الأولى لإدارة بايدن أن التحدي الصيني هو الأولوية القصوى. غير أن الواضح أن مراجعة ما تحقق في اثني عشر عامًا الأخيرة أدت لوصول الإدارة لقناعة بأن الانسحاب الأمريكي من أي مكان بالعالم لا يخدم تلك الأولوية القصوى.
والحرب في أوكرانيا كانت درسًا قاسيًا. فقد اكتشفت أمريكا أن روسيا، الأقل قدرة بكثير من الصين، صارت قادرة على تحدى المصالح الأمريكية في قلب أوروبا.
ومواقف دول الشرق الأوسط من الحرب كانت أقرب لموقف الصين من الموقف الأمريكي. والصين نفوذها يتمدد حول العالم، بما فيه أمريكا اللاتينية التي طالما اعتبرتها الولايات المتحدة منطقة نفوذ لا يجوز اختراقها.
ما معنى ذلك كله؟ معناه أن الإدارة تهدف للحضور ليس فقط بالشرق الأوسط وإنما في أقاليم العالم المختلفة. ومن هنا فإن السؤال الأهم يتعلق بالمسافة بين ما ترغب فيه الإدارة وما هي قادرة على فعله أصلا.
ففى ظل اقتصاد مأزوم ورأى عام منهك من التورط الخارجي ورافض له، إلى أي مدى يمكن لإدارة بايدن، أو غيرها بالمناسبة، أن تفعل ما تتمنى، أي وجود الهيمنة في كل مناطق العالم؟
وهل سيعنى ذلك اختيار وكلاء محليين في كل إقليم أو صناعة محاور استراتيجية تخدمها؟ الأهم من ذلك، ما هو الثمن المستعدة أن تدفعه إدارة بايدن للأطراف المحلية بكل إقليم لتقليص الوجود الصيني بها؟
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي،
المصدر: المصري اليوم – القاهرة
موضوعات تهمك: