فيلم 1917 .. دعوة إختبار الحرب

محمد الرحيمي19 فبراير 2020آخر تحديث :
فيلم 1917

في فيلم 1917 لا نعرف كيف وقع مخرج الفيلم سام ميندس على منتج يشاركه حلمه المجنون، فيلم حربي مصور من لقطة واحدة بلا نجوم معروفة بشكل كبير، باستثناء ضيوف الشرف. أكثر من 100 مليون دولار هي كلفة الفيلم عُلقوا في رقبتي بطلينا الشابين، الذين ورطا المشاهدين ببراعة طيلة ساعتين في تقلبات عنيفة من المشاعر، حزن، وغضب، وخوف، وفرحة النجاة. وكأنما يريد ميندس بذلك أن يقول “طالما يتحمل الشباب ثمن الحرب في الواقع، فل يتحملوه في فيلم”.

فيلم 1917 ليس فيلم حربي عادي، فلقد رفع طريقة تصويره الاستثنائية من درجة أهميته، حتى أنه استطاع حصد جائزة أفضل تصوير في حفل جوائز الأوسكار الأخيرة، من أصل 9 ترشيحات رشح لها، في عام قدم فيه كونتر ترانتينو فيلمه “ذات مرة في هوليوود”، ومارتن سكورسيزي فيلم “الأيرلندي”. لم تتوقف ترشيحات وجوائز الفيلم عند الأوسكار، فقد رشح لـ 28 جائزة، 9 جوائز بافتا، فاز بـ7 منها، وجائزة أفضل فيلم درامي في الغولدن غلوب، ليكن الأكبر نصيبًا في جوائز العام.

المحتويات

لقطة واحدة ومخرج يطلب المستحيل

فيلم 1917
المخرج سام ميندس

حتى تدرك صعوبة الانجاز التقني للفيلم، عليكم معرفة أنه منذ ظهور تقنية اللقطة الواحدة الطويلة على يد المخرج الأمريكي ألفريد هيتشكوك -أبو الإثارة- في رائعته “الحبل” عام 1948، استخدمت هذه التقنية في القليل من الأفلام لاستحالتها، فهي تتطلب ترتيب دقيق لحركة الممثلين والكاميرا، واخضاعهم لحفظ مشاهد طويلة، وهو ما يجعل الأمر مكلف في حالة إعادة المشهد، وخاصة في فيلم حربي، إذا ما تم إعادة مشهد ستعاد التفجيرات وبناء الديكورات التي صارت حطامًا بعد قول المخرج “أكشن”.

وبين هذه الأفلام القليلية أربعة أفلام فقط لاقت تقدير الجمهور والنقاد، كفيلم “الفلك الروسي” للمخرج ألكسندرسوكوروف 2002، “الرجل الطير” لـ أليخاندرو غونثاليز 2014، “فيكتوريا” لـ سيباستيان سيبر 2015.

الأهم من ذلك؛ أن ميندس لم يصعب التحدي عليه لمجرد استعراض فلسفته الإخراجية، بل جعل من التقنية ضرورة لقص حكايته، حيث تخرج من الفيلم وأنت مقتنع تمامًا بأن الفيلم لم يكن ليحكى إلا بهذه الطريقة. فالفيلم يتتبع مهمة جنديين في الجيش البريطاني، عليهما أن يخبرا كتيبة بريطانية بفخ ينصبه لهم الألمان، لإنقاذ حياة 1600 جندي على وشك مذبحة. كون قصة الفيلم تدور في يوم واحد، وشخصياتنا لا تغادر الكادر، جعل لأسلوب اللقطة الطويلة مبررها، وحجز للمشاهد مكان ثالث في المهمة، حيث يشعر بمشاعر بطلينا، بل قد ينحني ليتفادى الرصاص المتطاير حولهما.

مهمة فيلم 1917 والبطل مجهول

فيلم 1917

مهمة المخرج التي أرادها صعبة لم يكن يكتب لها النجاح لولا أربعة عوامل. موسيقى تومس نيومان، التي خلقها من أصوات الحرب، صراخ الجرحى، وانفجارات الحرب ورصاصها، مما جعل للأحداث تأثير مضاعف على المتلقي.

الأمر الثاني هو الإضاءة، فعدم وجود مونتاج وقطعات كثيرة، وتصوير الفيلم على كاميرا محمولة، فرض استخدام الإضاءة الطبيعية على الفيلم، فمن غير الممكن إيقاف المشهد لضبط الإضاءة الصناعية في هذه الحالة، فالنهار هو النهار، والليل هو الليل. لكن لتفادي التصوير الليلي، الذي كان من الممكن أن يفقد المشاهد إحساسه بأبعاد المشهد، استخدمت الإضاءة التي تصنعها الانفجارات، مما كثف الشعور بالخطر والرهبة.

والثالث هو الحوار الذكي، فلا تلمس منه إقحام، ويثيرك تكثيفة وقصره. فقط من سؤال وحيد يسأله الضابط لجندي تحت إمرته عن تاريخ اليوم، يجعلك تدرك ثقل مرور الزمن في الحرب. حركة واحدة ساخرة من الضابط وهو يرش بالخمرة بطلينا قبل البدء في المهمة، كأنه يشيع جثتين قبل دفنهما في كنيسة قائلًا “فليباركما الرب” تخبرك بخطورة المهمة وتدفع فيك كمية لا نهائية من الأدرنالين.

أما أهم ما أنجح التجربة، هو المصور العظيم روجر ديكنز، الذي رشح لـ 14 مرة في الأوسكار، وفاز بواحدة عن رائعة “A beautiful mind”، وهو المصور الذي لازم مخرج الفيلم في عدة أفلام سابقة منها، ثنائية جيمس بوند “Sky full” و”Spectre” و”Revolutionary”. هذه الشراكة القديمة تركت كيميا بينهما واضحة في كل مشهد، حتى أنك تستطيع استخراج أي كادر من الفيلم وتعليقه في برواز على حائط غرفة انتظار الضيوف بكل أريحية.

هل تحمل الشباب المسؤولية؟

7 البطل الرئيسي
جورج ماكاي

حمل المخرج بطلي الفيلم الشابين مسؤولية كبيرة، فيلم حربي تخطت كلفته 100 مليون دولاد، وصنع له ديكورات ضخمة، حتى أنه تم حفر 1600 متر من الخنادق، كي يتم التقليل من الاعتماد على المؤثرات البصرية، فيشعر المتفرج وكأنه يشاهد حربًا حقيقية. لكن الشابين جورج ماكاي الذي جسد دور الجندي سكوفيلد، وهو البطل الرئيسي، ودين تشارلز الذي جسد الجندي بليك، قاما بملحمة تمثيلية ممتازة، كان يستحق عليها الأول أوسكار أفضل تمثيل في دور رئيسي، لولا وجود خواكين فينكس هذا العام بدوره الأسطوري Joker.

على وجه جورج ماكاي رسمت المأساة كاملة بأقل تعبير، ربما أحيانًا بدون تعبير تستطيع الشعور بنبضات قلبه، بخوفه، بحزنه، بتحولاته، وهذه هي النقطة الأقوى في بناء الشخصيتين. فكلا شخصيتي المهمة على النقيض، بليك الذي تفهم من تحمسه للمهمة وتصوراته البسيطة عن الحرب، ورؤيته لها على أنها شجاعة محضة، أنه مجند حديثً العهد بالحرب، على عكس سكوفيلد الحاصل على ميدالية في مهمة بطولية سابقة، والذي استخلص من طول بقائه في الحرب بعبثية معنى البطولة، حتى بطولته، مما جعله يبادل ميداليته بزجاجة نبيذ مع جندي فرنسي. لكن هذه النظرة تتحول بالتدريج أثناء الفيلم، وتستمر في صعودها الدرامي حتى تصل للذروة مع اقتراب نهاية المهمة. هذا التحول قدمه ماكاي بسلاسة تثبت إمكانية تحمل الشباب لمسؤولية البطولة على الشاشة كما يتحملون أعباء الحرب وجنون مشعليها في الواقع.

فيلم 1917 .. كل جميل ناقص

فيلم 1917

طلب الكمال درب من الجنون، لكن المهم ألا يفسد هذا النقص متعة المشاهدة، وهو ما حققه ميندس بجدارة، إلا أننا لا يمكننا ختام التقرير بدون الإشارة إلى عيب مؤرق نسبيًا لتجربة المشاهدة، وهو اعتماد القصة في خلق الدافع لدى أحد الأبطال على الصدفة، فقد جعلت الكاتبة كريستي ويلسون، والتي شاركت المخرج الكتابة، دافع بليك لإتمام المهمة هو وجود أخوه في الكتيبة الذاهب لإخبارها، وأي صدفة في البناء الدرامي ضعف مهما أزاحه روعة الإخراج والتصوير والموسيقى والتمثيل.

برغم ذلك لا شك في أن الفيلم حجز مكانه في قائمة أعظم الأفلام الحربية، وحجز لك في أول صف فرصة تجربة حرب، لا أظن أنك تريد تجربتها في الواقع، فلا تضيع إمكانية اختبارها على الشاشة.

موضوعات ذات صلة:

اوسكار 2020 التفاصيل الكاملة

من أجل سما.. مأساة سورية وصلت الاوسكار

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة