أوضح جو بايدن منذ إعلانه ترشحه للرئاسة أنه يريد إعادة التوازن إلى الوجود العسكري لأمريكا في الشرق الأوسط.
لطالما سعت واشنطن إلى تغيير حجم وجودها العسكري في المنطقة، ولكن تجرها إليها الأزمات والصراعات التي سعت إلى النأي بنفسها عنها.
إعادة التقويم لواشنطن تسمح بالاستفادة من المزيد من مواردها العسكرية في أماكن، مثل المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، حيث تكون هناك حاجة إليها.
سيعيد التوازن كيفية تطبيق أمريكا للدبلوماسية وفن الحكم الاقتصادي بالشرق الأوسط والسماح للبلاد باعتماد أقل على القوة وستساعد أمريكا على تعزيز شراكاتها.
الوجود الكبير في الشرق الأوسط أكثر من مجرد تبذير فقد أوجد بيئة يميل فيها صناع السياسة لاستخدام الوسائل العسكرية بدلا من الدبلوماسية والاقتصاد لتنفيذ أجنداتهم.
* * *
تحت عنوان “اختيار الحجم المناسب في الشرق الأوسط”، نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية مقالا للباحثتين الأمنيتين، بيكا واسر وإليسا إيورز، أكدتا فيه أنه يجب على الجيش الأمريكي التراجع من المنطقة، ولكن ليس الانسحاب.
وأشارت الباحثتان أنه لطالما سعت واشنطن إلى تغيير حجم وجودها العسكري في المنطقة، ولكن تجرها إليها الأزمات والصراعات التي سعت إلى النأي بنفسها عنها.
ونوهت إلى أن الرئيس السابق، دونالد ترامب وعد بالعديد من الانسحابات العسكرية من المنطقة، لكنه أرسل آلافا إضافية من القوات مع تصاعد التوترات مع إيران في عامي 2019 و2020، كما أن خطط الرئيس أوباما عام 2011 لتحجيم المهمة في العراق قوضها ظهور تنظيم الدولة في عام 2014.
من جهته أوضح جو بايدن، منذ إعلانه ترشحه للرئاسة، أنه يريد إعادة التوازن إلى الوجود العسكري لأمريكا في الشرق الأوسط.
ووعد بايدن أيضا بـ “إنهاء الحروب الأبدية في أفغانستان والشرق الأوسط”، وإيقاف “حقبة العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل دول أخرى”، مقابل تحويل نظر واشنطن إلى الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع.
لكنّ الباحثتين لفتتا إلى أن تعديل الوجود العسكري ليس واضحا تماما، خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان المثير للجدل، إذ تبدو إدارة بايدن مترددة بشأن ما تختاره أمريكا في النهاية، ففي حين سحبت واشنطن بعض مواردها من الشرق الأوسط، وعد مسؤولون في الإدارة، بمن فيهم وزير الدفاع لويد أوستن، شركاء إقليميين قلقين بأن “التزام أمريكا بالأمن في الشرق الأوسط قوي ومؤكد”.
وتؤكد الباحثتان أن أمريكا تحتاج إلى إعادة تقويم رصين للأدوات العسكرية التي ينبغي أن تخصصها للشرق الأوسط، وهذا لا يعني الانسحاب من المنطقة أو التغاضي عنها. لكنه يستلزم تقييما واضحا لكيفية ترتيب أولويات الموارد العسكرية لواشنطن، وكيفية ربطها بشكل أوثق بأهدافها الاستراتيجية.
وهذا يعني، بحسب الكاتبتين، التركيز بشكل أضيق على حماية نفسها وحلفائها من الإرهاب، وردع إيران عن تطوير أسلحة نووية، والحفاظ على تدفق التجارة وحرية الملاحة، ويعني أيضا أن تتعلم واشنطن تقديم فن الحكم الدبلوماسي والاقتصادي على العمل العسكري.
وبالعودة للتاريخ، كما تشير الكاتبتان، كانت واشنطن نشرت في البداية أعدادا كبيرة من القوات في المنطقة في أعقاب الأحداث الإقليمية في أواخر السبعينيات وما تلاها من “عقيدة كارتر” عام 1980، والتي ألزمت أمريكا بأمن دول الخليج.
ووسعت أمريكا من تواجدها خلال حرب الخليج الأولى ثم توسعت بشكل كبير بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وأدت الصراعات المتتالية، مثل العمليات في أفغانستان وحرب العراق والقتال ضد تنظيم الدولة، إلى ترسيخ القواعد الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة.
وترى الباحثتان أن بعض المصالح تظل وثيقة الصلة من الناحية الاستراتيجية، مثل حماية الوطن والمواطنين الأمريكيين، ولا يزال الشرق الأوسط الكبير منطقة خصبة للشبكات الإرهابية التي تتطلع إلى مهاجمة أمريكا.
لكن العلاقة بين الأنشطة العسكرية لواشنطن ومصالحها الأساسية تتآكل منذ عشر سنوات على الأقل، إن لم يكن أكثر، فأمريكا على سبيل المثال، لم تعد تخوض حروبا برية واسعة، وهذا يعني أنها لم تعد بحاجة إلى أعداد كبيرة من القوات والمعدات الثقيلة القادرة على السيطرة على الأراضي.
لكن الكاتبتين لفتتا إلى أن “الوجود الكبير لواشنطن في الشرق الأوسط هو أكثر من مجرد تبذير. لقد أوجد بيئة يميل فيها صانعو السياسة إلى استخدام الوسائل العسكرية بشكل غير متناسب، بدلا من الدبلوماسية والاقتصاد، لتنفيذ أجنداتهم”.
وشددت الباحثتان على أنه يمكن لأمريكا أن تخفف من بقايا حروبها القديمة، وعلى سبيل المثال، تقليص معسكر عريفجان في الكويت، وهو قاعدة مخصصة للقوات البرية الثقيلة، وتحويله إلى مركز لوجستي يساعد في زيادة القوات العسكرية الأمريكية عند الحاجة. كما أنه يمكن لواشنطن التفاوض على اتفاقيات وصول طارئة مع شركاء إقليميين حتى تتمكن من نشر قوات وتوسيع نطاق المرافق إذا ومتى لزم الأمر.
وبحسبهما يمكن لأمريكا أيضا أن تبتعد عن تشغيل كوكبة من القواعد الكبيرة في الخليج، وبدلا من ذلك تعتمد نظام قواعد موزعة مصمما للحفاظ على الأصول الأمريكية آمنة.
وهذا يعني تحويل الأصول بعيدا عن بعض القواعد التي يُرجح أن تواجه هجمات من الصواريخ الإيرانية ونحو قواعد خارج نطاق حلقات التهديد الأسوأ، مثل قاعدة موفق سلطي الجوية في الأردن وقاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية.
وتشير الكاتبتان إلى أنه “لا داعي لوجود طائرات قاذفة ثقيلة قادرة على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. فيمكن لهذه الطائرات أن تصل إلى إيران من أوروبا أو أمريكا، حيث تتمركز بالفعل”.
وختمت الباحثتان بالقول إن إعادة التقويم لواشنطن تسمح بالاستفادة من المزيد من مواردها العسكرية في أماكن، مثل المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا، حيث تكون هناك حاجة إليها.
وسيعيد التوازن كيفية تطبيق أمريكا للدبلوماسية وفن الحكم الاقتصادي في الشرق الأوسط والسماح للبلاد بالاعتماد بشكل أقل على القوة. وستساعد أمريكا على تعزيز شراكاتها.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: