فنزويلا لن تخاطر، على الأرجح، بعلاقاتها الوثيقة بروسيا والصين من أجل واشنطن التي تستهدف رئيسها شخصيًا.
أمريكا التي فرضت حظرًا على استيراد النفط الروسي أرادت استبداله بنفط فنزويلا التي كانت أمريكا أهم مستورديه قبل 2019.
دارت أمريكا دورة كاملة حول نفسها في سياستها تجاه فنزويلا في أحد أهم مؤشرات التحولات الهائلة في الجغرافيا السياسية للنظام الدولي.
يظل النفط الهدف المباشر لزيارة الوفد الأمريكي المفاجئة لكن الهدف الأعمق هو استعادة أمريكا اللاتينية لحضن أمريكا وفق ما يُعرف بـ«مبدأ مونرو»!
أمريكا تسعى هناك لعكس ما تفعله في أوكرانيا فقصة أوكرانيا هي قصة رفض روسيا المطلق لوجود حلف الناتو بمجالها الحيوي وهو بالضبط ما ترفضه أمريكا.
* * *
بقلم: منار الشوربجي
بدون مقدمات، دارت الولايات المتحدة دورة كاملة حول نفسها في سياستها تجاه فنزويلا، في أحد أهم مؤشرات التحولات الهائلة في الجغرافيا السياسية للنظام الدولي، فقد أرسلت وفدًا رفيع المستوى للقاء الرئيس نيكولاس مادورو، الذي لا تعترف به أصلًا رئيسًا لبلاده، وكانت قد وضعت مكافأة قدرها 15 مليون دولار لقتله!
وقد ترأس الوفد الأمريكي مسؤول أمريكا اللاتينية بمجلس الأمن القومى، في زيارة كان مُقدَّرًا لها أن تكون سرية نظرًا لقوة لوبى فنزويلا.
وما إن تسرب الخبر إلى الإعلام حتى انطلقت معارضة شرسة لتلك الخطوة تزعمها أعضاء الكونغرس عن ولاية فلوريدا، أقوى معاقل الأمريكيين من أصل فنزويلي، المعارضين لنظام «مادورو». وانضم إليهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذى وصف «مادورو» بأنه «سرطان» يهدد محيط الولايات المتحدة الجغرافي.
والحقيقة أن الزيارة، التي فاجأت حتى المراقبين عن كثب لعلاقات البلدين، مرتبطة بشكل وثيق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، فأمريكا التي فرضت حظرًا على استيراد النفط الروسي أرادت استبداله بنفط فنزويلا، التي كانت أمريكا أهم مستورديه قبل عام 2019، ففي ذلك العام، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع كراكاس.
وفرضت عليها عقوبات استهدفت تحديدًا قطاع النفط، وذلك بعد انتخابات 2018 الرئاسية، التي أُعيد فيها انتخاب الرئيس «مادورو»، فأمريكا اعتبرت الانتخابات مزورة ولم تعترف بـ«مادورو» رئيسًا، ونصّبت بدلا منه رئيس مجلس النواب، خوان غوايدو «رئيسًا مؤقتًا»، وراحت تموله بسخاء للإطاحة بنظام «مادورو».
وقد مثّلت زيارة الوفد الأمريكى الذي ذهب للقاء «مادورو» شخصيًا صفعة قوية لـ«غوايدو» واعترافًا ضمنيًا بفشله في المهمة التي أُوكلت إليه، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي تولى أمرها «غوايدو» عام 2020، والتي جاءت من الخارج على يد حفنة من المرتزقة والمتطوعين الهواة، وكانت مصدرًا لسخرية دولية واسعة، وانهارت بعدها شعبية «غوايدو»، وانقسمت المعارضة الفنزويلية على نفسها.
ورغم أن الزيارة كانت تهدف للتوصل إلى مقايضة يتم فيها رفع العقوبات عن فنزويلا تدريجيًا مقابل تصدير النفط للولايات المتحدة، فإن المتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية، بعد الانتقادات الداخلية للزيارة، لم يذكر، في تفسيره لأسباب الزيارة، النفط على الإطلاق، وإنما قال إن هدف الزيارة كان «السعي للإفراج عن الأمريكيين المحتجزين في فنزويلا وبحث التطلعات الديمقراطية للشعب الفنزويلي».
وقد أفرجت فنزويلا بالفعل عن اثنين من الأمريكيين المحتجزين لديها، بينما صدرت عن الرئيس مادورو تصريحات أعربت عن استعداد بلاده لفتح صفحة من «السلام عبر الدبلوماسية والاحترام».
ورغم أن النفط يظل الهدف المباشر للزيارة المفاجئة للوفد الأمريكي، فإن الهدف الأعمق هو استعادة أمريكا اللاتينية لحضن أمريكا وفق ما يُعرف بـ«مبدأ مونرو»، الذي اعتبرها منطقة نفوذ أمريكي لا ينازعهم فيها أحد.
والحقيقة أن بلدان أمريكا اللاتينية سعت دومًا للخلاص من الهيمنة الأمريكية، ووصلت إلى الحكم في عدد منها بعد الحرب الباردة قيادات يسارية وثّقت العلاقات مع روسيا والصين.
وكان رئيس فنزويلا السابق أوغو شافيز على رأس تلك القيادات. لذلك، ففنزويلا لن تخاطر، على الأرجح، بعلاقاتها الوثيقة بروسيا والصين من أجل واشنطن التي تستهدف رئيسها شخصيًا.
المفارقة في الموقف الأمريكي من فنزويلا هي أن أمريكا تسعى هناك لعكس ما تفعله في حرب أوكرانيا بالضبط، فقصة أوكرانيا هي ببساطة قصة رفض روسيا المطلق لوجود حلف الأطلسي (الناتو) داخل مجالها الحيوي ومنطقة نفوذها التاريخية، وهو بالضبط ما ترفضه أمريكا. وتلك هي أمريكا نفسها التي تسعى لإخراج الروس والصينيين مما تعتبره منطقة نفوذها التاريخية في أمريكا اللاتينية!
* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المضدر: المصري اليوم
موضوعات تهمك: