احتمال إرساء الاستقرار بمنطقة الساحل يمر دون أدنى شك عبر استجابة شاملة لمختلف التهديدات كافة.
الجيش الفرنسي ارتكب أخطاء نجمت عنها «خسائر جانبية» على غرار قصف حفل زفاف في قرية بونتي (في مالي).
بعد ثماني سنوات من التدخل الفرنسي والمعارك لم يتحسن الوضع الأمني بل استفحل وازداد سوءا وكان المدنيون أولى ضحاياه.
دفع غياب آفاق استقرار مستديم بالمنطقة إلى تشكيك داخل فرنسا بشأن جدوى التدخل العسكري الفرنسي الذي يكلّف زهاء مليار يورو في السنة.
خطأ فرنسا الرئيسي في الحرب وصفها بحرب ضد الإرهاب مغفلةً أنه في الساحل عوامل سياسية واجتماعية-اقتصادية وطائفية وبيئية تتضافر نحو انعدام الاستقرار.
خلال الفترة بين 2017 و2020 تضاعفت هجمات التنظيمات المتطرفة 5 مرات وزاد إجمالي الضحايا من 205 إلى 1096 قتيلا وسقط أكثر من 2400 مدني.
* * *
بقلم: باسكال بونيفاس
منذ 2013، تدخلت فرنسا في منطقة الساحل عقب تمرد للمتطرفين في شمال مالي امتد بعد ذلك ليشمل مجموعة إقليمية تضم موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد ومالي.
غير أنه بعد ثماني سنوات من المعارك، لم يتحسن الوضع الأمني، بل استفحل وازداد سوءاً، وكان المدنيون أولى ضحاياه. فخلال الفترة ما بين 2017 و2020، تضاعفت هجمات التنظيمات المتطرفة خمس مرات، إذ انتقل إجمالي الضحايا من 205 قتلى في 2017 إلى 1096 قتيلاً في 2020.
وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 2400 مدني سقطوا ضحايا هجمات خلال هذه الفترة. ومن جانبها، تقدّر المفوضيةُ العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من مليوني شخص نزحوا داخل بلدهم بسبب الحرب. كما اضطر 850 ألف مدني، ومعظمهم ماليون، للفرار من بلدهم للجوء إلى بلدان الجوار.
وأمام تدهور الوضع الأمني هذا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أعقاب قمة بو التي انعقدت في يناير 2020 بحضور رؤساء دول مجموعة دول الساحل الخمس، عن تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة بما يصل إلى 600 رجل، من أجل بلوغ ما مجموعه 5100 جندي في الميدان.
وإذا كان هذا التعزيز قد سمح بتحقيق بعض الانتصارات – متمثلة في مقتل بضع مئات من المقاتلين المتطرفين، من بينهم مسؤولون رفيعو المستوى مثل مؤسس تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عبد الملك دروكدال في يونيو 2020 – فإن الاتجاه العام يظل هو تفشي انعدام الأمن في المنطقة.
وفضلاً عن ذلك، فإنه يُشتبه في أن الجيش الفرنسي قد ارتكب أخطاء نجمت عنها «خسائر جانبية» على غرار قصف حفل زفاف في قرية بونتي (في مالي)، في يناير 2021، ما تسبب في مقتل 19 مدنياً.
ويضاف إلى ذلك تضرر صورة الجيش الفرنسي والذي تغذّيه حملاتُ المعلومات المغلوطة والمضللة، وخاصة في ما يتعلق بأعمال نهب مزعومة للموارد، ولكن أيضاً شعور بابتعاد القوات الفرنسية وانفصالها عن الواقع المحلي (ومثال ذلك التنقل في المدن على متن مركبات مدرعة والتحصن في ثكنات شديدة الحماية).
أما من الجانب الفرنسي، فقد قُتل 57 جندياً في القتال المتواصل منذ 2013. ومن جهة أخرى، يدفع غياب آفاق استقرار مستديم في المنطقة أيضاً إلى تشكيك داخل فرنسا بشأن جدوى التدخل العسكري الفرنسي، الذي يكلّف زهاء مليار يورو في السنة.
غير أن نقاط ضعف الجيوش المحلية، والاتهامات المتعلقة بجرائم حرب التي تواجه بعضها (مالي، بوركينا فاسو)، وإعادة تعبئة الجيش التشادي– يُعد أقوى جيوش مجموعة دول الساحل الخمس– في جنوب البلاد (في محاربة «بوكو حرام» في منطقة بحيرة تشاد)، إضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي لمالي… كلها عوامل تدفع للتخوف من انتشار الفوضى في حال رحيل القوات الفرنسية.
رحيل يمكن أن يسمح لتنظيمات متطرفة بأن تتقوى، ولكنه قد يفسح المجال أيضاً للاعبين دوليين آخرين ما فتئوا يعبّرون عن اهتمامهم بهذه المنطقة الاستراتيجية على نحو متزايد (مثل روسيا، والصين، وتركيا).
في يونيو 2021، أعلن إيمانويل ماكرون عن نهاية التدخل الفرنسي بشكله الحالي، مؤكداً أن هذا لا يعني انسحاب فرنسا من المنطقة. والجدير ذكره في هذا السياق أن «عملية برخان» كان يفترض أن تنتهي بداية 2022.
ومن جهة أخرى، كانت فرنسا وراء تشكيل قوة «تاكوبا»، في مارس 2020، والتي تتألف من عدة وحدات قوات خاصة أوروبية وتهدف إلى مساعدة الجيوش المحلية. وعليه، فيبدو أن فرنسا باتت تراهن الآن على هذا التدخل المشترك مع شركائها الأوروبيين.
الإعلان عن إعادة التموضع الفرنسية هذه استُقبلت بطرق مختلفة من قبل بلدان الساحل. ففي أكتوبر 2021، بدت الحكومة القائمة في مالي منتقدة بشدة لفرنسا.
ويشير العديد من الباحثين المتخصصين في المنطقة إلى خطأ رئيسي ارتكبته فرنسا في هذه الحرب، ألا وهو خطأ وصفها بأنها حرب ضد الإرهاب، مغفلةً أنه في منطقة الساحل هناك عدد مهم من العوامل السياسية، والاجتماعية-الاقتصادية، والطائفية، والبيئية… التي يؤدي تضافرها جميعاً إلى انعدام الاستقرار في المنطقة.
وبالتالي، فإن احتمال إرساء الاستقرار في منطقة الساحل يمر من دون أدنى شك عبر رد عام وشامل على هذه التهديدات المختلفة كافة.
* د. باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس
المصدر| الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك: