انطلقت في فرنسا موجة احتجاجات اجتماعية متزامنة مع موجة الغلاء وأزمة وقود تشهدها البلاد منذ أسابيع.
تشكل الأزمة الحالية منعرجا خطيرا لأنها تندرج في سياق مختلف عن السياقات السابقة التي عرفتها الساحة الفرنسية خلال السنوات الأخيرة.
لا تتعلق المشكلة أساسا بأزمة اقتصادية بل تتصل أساسا ببنية النظام السياسي والاجتماعي وهو يحاول تفادي الآثار السلبية لعاصفة تضرب كامل أوروبا.
الأزمة نابعة من المرحلة التي بلغتها الساحة الأوروبية بشكل عام وتراجع قدرة الحكومات الأوروبية على مواجهات الهزات التي تتصل بسياق ما قبل جائحة كورونا.
ليس التصعيد أمرا مفاجئا بعد فشل الحكومة في تجاوز أزمة خانقة تعصف بالبلاد بل هو امتداد طبيعي لتحركات سابقة كالتي قادتها السترات الصفراء سابقا.
لن يكون شتاء فرنسا كسابقيه إن لم تجد الأطراف الحاكمة سريعا لحلول قادرة على امتصاص الاحتقان الشعبي الذي قد يغير كامل المشهد الفرنسي والأوروبي.
* * *
بقلم: د. محمد هنيد
كما كان منتظرا انطلقت في فرنسا موجة الاحتجاجات الاجتماعية المتزامنة مع موجة الغلاء وأزمة الوقود التي تعرفها البلاد منذ أسابيع. فقد أعلنت أكثر من منظمة نقابية وعمالية عن تنظيم إضرابات مشتركة في قطاعات مثل النقل والتعليم والصحة وغيرها؛ بسبب ما وصفه المسؤولون فيها بانهيار المقدرة الشرائية وتراجع قدرة الرواتب على تأمين الضروريات الشرائية المتوسطة.
ليس هذا التصعيد أمرا مفاجئا بعد فشل الحكومة في تجاوز الأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد بل هو امتداد طبيعي لتحركات سابقة مثل تلك التي قادتها السترات الصفراء سابقا، لكن الأزمة الحالية تشكل منعرجا خطيرا لأنها تندرج في سياق مختلف عن السياقات السابقة التي عرفتها الساحة الفرنسية خلال السنوات الأخيرة.
ليست الأزمة إذن وليدة حرب أوكرانيا ولا هي ناجمة عن أزمة الطاقة ومشكل إمدادات النفط والغاز بل هي نابعة من المرحلة التي بلغتها الساحة الأوروبية بشكل عام وتراجع قدرة الحكومات على مواجهات الهزات التي تتصل بسياق ما قبل جائحة كورونا.
في الداخل الفرنسي تبدو الحلول الممكنة محدودة الأفق على المستوى القريب بسبب عوامل داخلية منها، تأثر الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة بأزمة الطاقة، وارتفاع أسعارها وانقطاع الدعم الحكومي، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على أداء هذه الشركات بعد ارتفاع تكلفة الإنتاج ارتفاعا غير مسبوق رغم محاولات الكثير منها الضغط على كلفة الإنتاج بالقدر الممكن.
لا يقتصر الأمر على هذا الجانب لأن الحكومة الفرنسية لاتزال منكبة على دراسة مستقبل الأمن الطاقي لصناعاتها بعد الدرس الروسي من جهة ومحدودية التعويل على الطاقة النووية أو المصادر الأحفورية بسبب نتائجها الكارثية على البيئة والمناخ.
من جهة ثانية لم تعد الوعود الانتخابية والسياسية قادرة على تسكين الشارع دون تقديم خطط عملية قابلة للتطبيق وقادرة على الحدّ من آثار الأزمة التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية على الصعيد السياسي خاصة، فوصول قوى اليمين المتطرف إلى السلطة في إيطاليا والسويد تحولت إلى إشارة إنذار للطبقة السياسية الفرنسية خاصة والأوروبية عامة بقدرة قوى أقصى اليمين الشعبوي على اكتساح الانتخابات القادمة.
لا تتعلق المشكلة أساسا بأزمة اقتصادية عابرة بل تتصل أساسا ببنية النظام السياسي والاجتماعي نفسه، وهو يحاول تفادي الآثار السلبية للعاصفة التي تضرب كامل المنطقة الأوروبية.
لن يكون الشتاء الفرنسي كسابقيه، إن لم تتوصل الأطراف الحاكمة سريعا إلى حلول قادرة على امتصاص الاحتقان الشعبي الذي قد يغير كامل المشهد الفرنسي والأوروبي.
*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر: الوطن – الدوحة
موضوعات تهمك: