قد تتضاءل القوة والمصداقية الأمريكيتين عبر سلسلة تسويات أقل إثارة تؤشر جماعيا على أن أمريكا تتراجع.
أي هجمات على أوكرانيا أو تايوان متحررة من الردود الأمريكية سترسل مؤشرات إلى تغير جوهري في القوة العالمية.
تواجه إدارة بايدن ثلاث أزمات عسكرية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط متزامنة تمثل أكبر تحد للقوة الأمريكية العالمية منذ نهاية الحرب الباردة.
إن موقفاً أمريكياً قوياً في أوروبا أو آسيا أو الشرق الأوسط قد يساعد في إعادة الردع الأمريكي عالميا لكن إذا كان عليها ذلك، فأين تستعرض قوتها؟
عقوبات اقتصادية صارمة على إيران يمكن استخدامها ضد روسيا والصين لو حصل هجوم.. لن يعني ذلك حرب عالمية ثالثة لكنه قد يعني نهاية العولمة.
يتحدث مسؤولون أمريكيون عن تخطيط روسيا لاجتياح أوكرانيا قريباً جداً “بحلول أوائل 2022” ومناورات عسكرية صينية قرب تايوان تبدو كتدريبات أولية على اجتياح واسع النطاق.
بعد انسحاب فوضوي من أفغانستان تبدو أمريكا ضعيفة ما يزيد إغراء روسيا والصين وإيران بمحاولة معالجة مظالم قديمة أو الدفع قدما بطموحات طويلة المدى وستراقب هذه القوى تطورات بالقارات الأخرى.
* * *
طيلة عقود، استند تخطيط الجيش الأمريكي إلى فكرة أنعلى الولايات المتحدة أن تكون قادرة على خوض حربين متزامنتين، في منطقتين مختلفتين من العالم.
إن نوع العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة على إيران، يمكن أن يستخدم ضد روسيا أو الصين لو حصل الهجوم. لن يعني ذلك بداية حرب عالمية ثالثة، ولكنه قد يعني نهاية العولمة.
لكن الكاتب السياسي في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية جدعون راكمان، يرى أن حتى أكثر الاستراتيجيين تشاؤماً لم يخطط لثلاث حروب في الوقت نفسه، إذ تواجه إدارة الرئيس جو بايدن ثلاث أزمات عسكرية في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وبشكل جماعي، تمثل هذه الأزمات أكبر تحد للقوة الأمريكية العالمية منذ نهاية الحرب الباردة.
تغيير توازن
تحدث المسؤولون الأمريكيون عن تخطيط روسيا لاجتياح أوكرانيا في وقت قريباً جداً “بحلول أوائل 2022″، وفي الأثناء، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن المناورات العسكرية الصينية قرب تايوان تبدو كأنها تدريبات أولية على اجتياح واسع النطاق.
قد تكون إيران أيضاً على بعد أسابيع من تجميع ما يكفي من المواد الانشطارية لصناعة أول سلاح نووي وهي نتيجة أمضت الولايات المتحدة عقوداً في محاولة منعها.
وحث رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت صناع القرار على التفكير في احتمال حصول اجتياحين متزامنين لتايوان، وأوكرانيا. هاتان الخطوان معاً “ستغيران جوهرياً توازن القوى الدولي” حسب بيلدت.
عالم خيال
لا يرجح راكمان أن الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في طور التحدث مباشرة مع بعضهما وتنسيق تحرك عسكري، ويضيف أن فكرة مكالمة افتراضية ثلاثية تضم الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي تنبع من عالم خيال رديء.
لكن رغم غياب خطة مشتركة تربط طموحات الصين، وروسيا، وإيران، هناك درجة من التحليل والانتباه المشتركين، وتشتكي حكوماتها من تعرضها لحملة “تغيير نظام” من واشنطن. وتبرر هذه الحكومات أهدافها الإقليمية بالإشارة إلى روابط مع شعوب خارج حدودها.
أمريكا تبدو ضعيفة
تابع الكاتب أن الحكومة الصينية تشدد على أن قدر البلاد القومي هو إعادة توحيد الوطن الأم بضم تايوان.
ويقول بوتين إن هنالك “إبادة” ضد الناطقين بالروسية في أوكرانيا وأن من واجب روسيا حمايتهم. من جهتها، تزعم الحكومة الإيرانية أنها حامية الإسلام حول العالم، واستخدمت المسلمين الشيعة مقاتلين بالوكالة.
بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، تبدو أمريكا ضعيفة، ما يزيد إغراء روسيا، والصين، وإيران بمحاولة معالجة المظالم القديمة، أو الدفع قدماً بطموحات طويلة المدى. وستراقب هذه القوى التي وصفها الكاتب، بالتنقيحية، التطورات في القارات الأخرى.
عامل مقلق غير الحرب
إن هجمات على أوكرانيا أو تايوان متحررة من الردود الأمريكية سترسل مؤشرات إلى تغير جوهري في القوة العالمية، يقلق منه بيلدت وآخرون.
لكن القوة والمصداقية الأمريكيتين يمكن أن تتضاءلا عبر سلسلة تسويات أقل إثارة، تؤشر جماعياً على أن أمريكا تتراجع.
ثمة قلق في مناطق أوروبية من حديث إدارة بايدن عن السعي إلى “تسوية” أمنية جديدة مع روسيا حول أوروبا. إذا تنازلت الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الروسية لأوكرانيا، فقد تتشجع الصين على التصعيد في تايوان!
وقد تسرع إيران مفاعلاتها النووية، كما أن حلفاء أمريكا المحوريين في انتشار نفوذها العالمي، يمكن أن يفقدوا شجاعتهم، فيفترقون عنها.
يقظة أمريكية
يرى الكاتب أن البيت الأبيض يقظ تجاه هذه الأخطار، ويعلم أن عليه اختيار معاركه وإلا فسيخاطر بالتمدد بما يفوق طاقته.
إن موقفاً أمريكياً قوياً في أوروبا، آسيا، أو الشرق الأوسط قد يساعد في إعادة الردع الأمريكي حول العالم. لكن إذا كان عليها ذلك، فأين عليها استعراض قوتها؟
يجيب راكمان على السؤال بالقول إن حجم التهديد يشير إلى الصين، وحجم الاستفزاز يشير إلى روسيا. أما مقياس الخطر الأصغر، فيشير إلى إيران التي لا تزال قوة غير نووية.
على مستوى استراتيجي، يكمن حدس إدارة بايدن في التركيز على الصين، وهي المتحدي المحتمل الوحيد للدور الأمريكي القوة العظمى في العالم، وأوحى بايدن بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت للهجوم، لكنه لم يدلِ بتصريحات مشابهة عن أوكرانيا.
تضارب
لا يزال معظم المحللين الأمريكيين يظنون أن هجوماً على تايوان غير مرجح في 2022، بما أن الرئيس الصيني يحتاج للاستقرار، وهو يستعد لتعزيز قوته في مؤتمر حيوي للحزب الشيوعي في الخريف المقبل.
لكن فتيل التهديدات الروسية لأوكرانيا أقصر، ومع ذلك، فالنزاع المباشر مع روسيا المسلحة نووياً يبقى شبه مستحيل، وعوض ذلك، هدد بايدن بعقوبات اقتصادية شاملة وبمساعدات عسكرية لأوكرانيا، إذا هاجمتها روسيا.
والغارات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية تبدو أقل خطورة من الاشتباك مع القوات الروسية أو الصينية. لكن بايدن كما باراك أوباما ودونالد ترامب يتلكأ لتفادي التورط في حرب شرق أوسطية أخرى.
حرب عالمية ثالثة؟
أشار راكمان إلى أن إدارة بايدن لن تسحب علناً الخيار العسكري، في أي من هذه النزاعات المحتملة. لكن من المرجح أن تعتمد الولايات المتحدة على الأسلحة الاقتصادية والديبلوماسية.
إن نوع العقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة على إيران، يمكن أن يستخدم ضد روسيا أو الصين لو حصل الهجوم. لن يعني ذلك بداية حرب عالمية ثالثة، ولكنه قد يعني نهاية العولمة.
المصدر| فايننشال تايمز
موضوعات تهمك: