فائدة مشاعر الامتنان في تربية الأبناء
الامتنان:
لقد قلنا: إنه لا حب بلا إعجاب، وإن الإعجاب هو إدراك التشابه ما بيننا (بين أنفسنا المثلى) وبين من نعجب به، والإعجاب يشكل دافعاً نفسياً قوياً للحب، لكنه لا يكفي بمفرده، ولابد معه من دافع ثانٍ، يتحقق باجتماعهما في النفس، أهم شرطين لقيام الحب فيها لشخص آخر، هو الشكر والعرفان والامتنان.
علماء النفس يقولون: إن الذي يدفع الإنسان إلى أن يحب إنساناً آخراً هو إشباع المحبوب لحاجات نفسية وغير نفسية هامة للمحب، لكن هذا الإشباع والإرضاء بحد ذاته لن يولد الحب في نفس من يتلقاه، ما لم يصادف إنساناً شكوراً، أما الجَحود، فإنه يكفر الإحسان من أية جهة جاء، بل ينتفع به دون الإحساس بالشكر لمن قدمه له وأحسن إليه؛ فالجاحد ليس كالشاكر الذي يجازي الإحسان بالإحسان، أما أطفالنا فهم شكورون، لأنهم ما زالوا على الفطرة، ولنا أن نتوقع منهم الحب جزاء إحساننا إليهم.
وقد روى مالك في الموطأ عن عطاء حديثاً مشهوراً جاء فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تصافحوا يذهب الغلُّ، وتهادوا تحابّوا، وتذهب الشَّحناءُ) (قال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها)، هذا الحديث يُنبَّهنا إلى دور العطاء، وإشباع حاجات الآخرين في توليد الحب في نفوسهم إن كانوا شاكرين بالطبع.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً فيما رواه الترمذي: (أحبو الله لما يغذوكم من نِعَمِه)، وواضح لنا في هذا الحديث الشريف كيف يكون الشكر والعرفان دافعاً للحب، وأساساً له.
وقد أصاب الشاعر الذي قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإنسان إحسان
وقد حثنا ديننا على الإكثار من التسبيح والحمد لله تعالى، إذ في التسبيح تعبير مُتجدِّد عن إعجابنا بخالقنا الذي له الأسماء الحسنى وله صفات الكمال المطلق، والتسبيح من معانية: التنزيه عن كل عيب ونقص، وإننا كلما سبَّحنا خالقنا ونحن مدركون لمعنى تسبيحنا تجدد إعجابنا به وبصفاته وكمالاته، وملأ هذا الإعجاب قلوبنا، وبذلك يترسخ الأساس الأول الذي يقوم عليه حبنا له سبحانه وتعالى. وكذلك كلما حمدناه ذكَّرنا أنفسنا بنعمه علينا، فالحمد شكر، والشكر لا يكون إلا على نعمة وعطاء وإحسان، والحمد صبر ورضا على بلائه لنا، ومع الرضا لا يبقى في النفس ما يعيق الحب.
وبالتالي فإننا كلما حمدنا المولى وشكرناه – جل في علاه – أثرنا في قلوبنا الدافع والداعي إلى محبته، وحتى يكتمل إيماننا لا بد أن يكون خالقنا العظيم أحب إلينا من كل شيء في الوجود سواه.
وفي حياتنا الاجتماعية، عندما يكون شخص ما موضع إعجابنا، وفي الوقت نفسه مصدر خير لنا وإسعاد، ونحس بالشكر والعرفان والامتنان له، فإننا نحبه؛ ونحن نحبه عادة دون أن نحلل مشاعرنا، بل يبدو الأمرُ لنا تلقائياً وعفوياً.
ويمكننا تلخيص ما سبق عن الكيفية التي يتولد بها الحب في النفس الإنسانية بالمعادلة التالية:
إعجاب × امتنان = حب
فلو انعدم الإعجاب انعدم الحب، وبقي الشكر على الإحسان دون أن يبلغ درجة الحب.
ولو انعدم الشكر، وذلك إما لانعدام الإحسان، أو لوجود الجحود في النفس المتلقية للإحسان، فإنه في هذه الحالة أيضاً ينعدم الحب، ذلك أن ناتج ضرب أي رقم بصفر هو الصفر.
وعودة إلى الإعجاب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أهمية الإعجاب وكيف يتولد عن التشابه عندما قال: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها إئتلف، وما تناكر منها اختلف) (رواه البخاري في صحيحه)، وقد فسَّر علماء المسلمين قديما تعارف الأرواح هذا المذكور في الحديث الشريف فسروه بالمشاكلة، أي تشابه الأشكال، وهذا هو مصطلحهم لمفهوم التشابه.
موضوعات تهمك:
كنز من المعلومات في قسم بنون حول تربية الاطفال والمراهقين، بقلم المفكر الاسلامي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد كمال شريفة ننصح كل أب وكل أم ان يطلعوا عليه الرابط هنا
كيف نجعل أبناءنا كما نحب أن يكونوا؟
عذراً التعليقات مغلقة