انهيار كامل لاقتصاد أوكرانيا تساعد المعونات الغربية في تخفيف تداعياته، بعد قضاء الروس على البنية التحتية لأوكرانيا.
الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قد يتراجع بنسبة تتراوح بين 35 و40 بالمئة هذا العام بينما يقدر البنك الدولي أن نسبة التراجع قد تصل إلى 45 بالمئة.
الحرب غيرت وجه أوكرانيا مع تكبّد اقتصادها خسائر فادحة، لكن الدعم العسكري الغربي غير المسبوق ساعد قواتها على الصمود بوجه الجيش الروسي.
أظهرت قوات أوكرانيا صموداً عسكريا غير متوقع يمنع القوات الروسية من تحقيق تقدم بعد سيطرتها على أغلب أراضي دونباس وزابوريجيا وخيرسون.
لا تملك القوات الأوكرانية قوة لتنفيذ عمليات جادة للتقدم المضاد بسبب تفوق روسيا في عدد المعدات المخزنة منذ حقبة الحرب الباردة لكن تمكنت أوكرانيا من ردع استمرار التقدم الروسي في دونباس وجنوب البلاد.
* * *
في ظروف استثنائية، تستقبل أوكرانيا، اليوم الأربعاء، عيد استقلالها الـ31، والذي يتزامن مع مرور ستة أشهر على بدء الحرب الروسية في 24 فبراير/ شباط الماضي، وسط تحذيرات من وقوع ضربات روسية في هذا اليوم.
وتحيي أوكرانيا ذكرى إعلان استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في 24 أغسطس/ آب 1991، بلا احتفالات عامة، بينما تم تحويل موظفي الحي الحكومي إلى نظام العمل عن بعد.
صمود عسكري
ومع ذلك، ثمة إجماع بين خبراء ومحللين سياسيين على أن القوات الأوكرانية أظهرت خلال الأشهر الستة الأخيرة صموداً غير متوقع على المستوى العسكري يمنع القوات الروسية من تحقيق أي تقدم يذكر بعد سيطرتها على أغلب أراضي مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، قابله انهيار كامل للاقتصاد الأوكراني تساعد المعونات الغربية في تخفيف تداعياته.
ويعتبر الباحث في الشؤون الأوكرانية قسطنطين سكوركين أن الحرب غيرت وجه أوكرانيا بشكل كامل، مع تكبّد اقتصادها خسائر فادحة، لا سيما بعد تدمير مصنعي “آزوف ستال” و”إلييتش” المملوكين لأثرى أثرياء أوكرانيا، رينات أخميتوف، في مدينة ماريوبول، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الدعم العسكري غير المسبوق ساعد القوات الأوكرانية في الصمود بوجه الجيش الروسي.
ويقول سكوركين: “طاول القتال المناطق الصناعية الأكثر أهمية، وتم تدمير منشآت صناعية مهمة، مثل مصانع الحديد والصلب المملوكة لأخميتوف في ماريوبول ومصنع آزوت للكيميائيات في سيفيرودنيتسك ومصفاة كريمينتشوك المملوكة لرجل الأعمال إيغور كولومويسكي، والتي تعد الكبرى في البلاد. هذا مجرد جزء من الخسائر، بينما باتت أوكرانيا تعتمد كلياً على المانحين الدوليين”.
وبحسب تقديرات وزارة الاقتصاد الأوكرانية، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قد يتراجع بنسبة تتراوح بين 35 و40 في المائة هذا العام، بينما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة التراجع قد تصل إلى 45 في المائة.
ويأتي هذا التراجع المؤكد بعد تسجيل أوكرانيا أعلى ناتج محلي إجمالي في تاريخها في العام الماضي، حين بلغ نحو 200 مليار دولار.
لكن عسكرياً، يلفت سكوركين إلى أن أوكرانيا عززت قدراتها، مضيفاً: “بفضل دعم دول حلف الناتو، تردع القوات المسلحة الأوكرانية الجيش الروسي بنجاح، رغم أنه مصنف كثاني أو ثالث أقوى جيش في العالم. بالطبع، تؤدي الروح المعنوية العالية للجنود الأوكرانيين دورها في ذلك، إذ إنهم يقاتلون من أجل عائلاتهم وحرية بلادهم”.
وعلى مدى ستة أشهر من القتال، تمكن الجيش الأوكراني مرات عدة من نقل المعركة إلى داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك تدبير انفجارات لمواقع عسكرية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، وهي هجمات صنفتها روسيا كـ”أعمال تخريبية”.
ويعلق سكوركين على هذا التحول في التكتيك، قائلاً: “تعتمد أوكرانيا تكتيك شن أعمال تخريبية وتنفيذ ضربات على مواقع خلف خطوط العدو لكسر منظومة تموين الجيش الروسي. لا تملك القوات الأوكرانية قوة لتنفيذ عمليات جادة للتقدم المضاد بسبب تفوق روسيا في عدد المعدات المخزنة منذ حقبة الحرب الباردة (1947-1991). ومع ذلك، تمكنت أوكرانيا من ردع استمرار التقدم الروسي في دونباس وجنوب البلاد”.
بدوره، يشير الإعلامي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، إلى أن “الحرب ساهمت في تعزيز وحدة الصف الأوكراني”، مقراً في الوقت نفسه بأن “الاقتصاد بات في حالة يرثى لها تشبه وضعه على جهاز التنفس الاصطناعي”.
ويضيف بورتنيكوف أن “الوضع الاقتصادي صعب للغاية، لأن العدوان الروسي قضى فعلياً على البنية التحتية الاقتصادية للبلاد، وباتت أوكرانيا على التنفس الاصطناعي بواسطة مساعدات تتلقاها من الدول الغربية، وآمل كثيراً في استمرارها حتى بعد انتهاء الحرب. ستكون إعادة إعمار أوكرانيا ونجاحها من أفضل المؤشرات لنجاح العالم الغربي أو فشله”.
ضغط اقتصادي
وبحسب تقديرات معهد كيل للاقتصاد العالمي في ألمانيا، فإن الدول الغربية خصصت منذ 24 فبراير الماضي مساعدات عسكرية ومالية وإنسانية لأوكرانيا بقيمة 80.7 مليار يورو.
وبلغت حصة الولايات المتحدة كونها أكبر المانحين في مجموع المساعدات المقدمة لأوكرانيا أكثر من 50 في المائة بواقع 42.6 مليار يورو، وتليها بريطانيا (أكثر من 6 مليارات) وألمانيا (3.3 مليارات).
ويبدي بورتنيكوف اعتقاده بأن “الأشهر الستة الماضية شهدت تعزيزاً كبيراً لوحدة المجتمع الأوكراني، وهو ما تؤكده نتائج كافة استطلاعات الرأي التي تظهر أن أكثر من 90 في المائة من الأوكرانيين، سواء في غرب أو وسط أو شرق أو جنوب البلاد، يأملون في النصر في هذه الحرب واستعادة وحدة أراضي البلاد.
وعسكرياً، أعتقد أن القوات المسلحة الأوكرانية أظهرت فاعليتها في ردع العدوان”. أما السؤال حول إمكانية وضوع هجمات في يوم الاستقلال، فيعتبر أنه “يجب توجيهه إلى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو”.
وفي ظاهرة تعرف في علم الاجتماع السياسي بـ”الالتفاف حول علم الدولة” أثناء الأزمة، تظهر استطلاعات رأي تنشر وسائل إعلام أوكرانية نتائجها ولا يتسنى التحقق من دقتها من جهة محايدة، أن نسبة تأييد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قفزت إلى أكثر من 90 في المائة بعد بدء الحرب.
وخلال الأشهر الأخيرة، اتخذ زيلينسكي مجموعة من القرارات الجريئة، بما فيها إقالة النائبة العامة إيرينا فينيديكتوفا ورئيس جهاز الأمن الأوكراني إيفان باكانوف، والتقدم بطلب عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي، بينما تحولت كييف إلى وجهة لزيارات قادة الدول الكبرى، ومن بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون، بالإضافة إلى الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى لفيف، الأسبوع الماضي.
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: