منذ بضعة أشهر قليلة، لم يكن أحدً من الشرق الأوسط يعرف جيسون غرينبلات، ولا حتى الفلسطينيين والساسة العرب أنفسهم
وفجأة قفر إلى مركب الشرق الأوسط يسوق دفته ويحركها كيفما يشاء بشرط أن تكون في صالح الدول الصهيونية فقط، ومن يخالف شروطه فلا يركب معه طوق النجاة الأمريكي.
جيسون غرينبلات … محام أمريكي حاصل على لقب محاماة، وله خبرة في مجال العقارات مثل سيده دونالد ترامب، ويعمل معه منذ عقدين، قبل أن يقرر ترامب دخول المعترك السياسي، كما شغل منصب نائب الرئيس والمستشار القانوني في “منظمة ترامب”.
غرينبلات يبلغ من العمر خمسون عاماً، متزوج من طبيبة خبيرة في الطب النفسي ذات منصب، ولديهما ستة أطفال منهما الأولاد الثلاثة توائم.
هناك مثل عبري مشهور يقول ” الأضداد تُكمل بعضها”، فلم يكن أحد يتصور أن شخصين متناقضين مثل جيسون غرينبلات دونالد ترامب، يعملان سوياً لمدة عقدين وكلاهما يختلف عن الآخر تماماً لكن المصالح بينهما مشتركة ومتفاهمة، فرغم أن غرينبلات كان مسؤولا بارزا في شركة ترامب، فقد حافظ على سرية، حتى دُعي لتقديم استشارة لترامب أثناء حملته الانتخابية، رغم اختلاف طبعه عن طابع الرئيس ترامب، فهو معروف بهدوئه وتواضعه.
كان الرجل يضع على كاهله أهمية قصوى لأمن إسرائيل، فهو يهودي متدين، مثل صهر ترامب، جاريد كوشنير، حيث يعمل بموجب وصايا أيام السبت وتقاليد الحلال اليهودية، ويرسل أولاده إلى مدارس يهودية، كما يؤدي الصلاة في الكنيس، ويضع قلنسوة سوداء كبيرة على رأسه طالما هو بعيد عن منصبه خاصة أيام السبت وفي المناسبات الخاصة بالمجتمع اليهودي، لكنه لا يضعها خلال ساعات العمل.
ورغم اختلافه عن الرئيس ترامب إلا انه كان بجانبه خلال الحملة الانتخابية، وتم وضعه ضمن الفريق الرئاسي للحملة بصفته مستشارا له للشؤون الإسرائيلية، وحتى بعد انتخاب ترامب رئيسا، صار مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط، حتى يكون من لُب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويتمكن من تحقيق أهدافه الصهيونية العالمية بخطف القدس وجعلها عاصمة لإسرائيل.
ولأهمية الكيان الصهيوني عند غرينبلات، فقد عاش هناك فترات من حياته، وتعلم في حلقة دينية “هار تسيون” في منطقة غوش عتصيون في الضفة الغربية لفترة معينة وحتى أنه كتب بالتعاون مع عائلته كتابا يدعى “المرشد السياحي للعائلات في إسرائيل”.
ممارسات إرهابية
غرينبلات شخص متعصب للكيان الإسرائيلي، منذ نعومة اظافره يتمني ان يقدم خدماته الجليلة، حيث واته الفرصة عند اختياره من قبل ترامب مبعوثاً له لأمور الشرق الأوسط، حاول استمالة الزعماء العرب والضغط دائما على الفلسطينيين للقبول بأي لقمة يلقيها إليهم ترامب سواء بالترغيب او الترهيب.
لا يترك غرينبلات فرصة إلا ويحاول تهديد حكومة رام الله بان البديل مكانهم جاهز طالما أنهم غير متعاونين معه او انهم يتعاونون مع حركة حماس الإرهابية، للدرجة التي تجعله يتحدث عن عدم أهمية القضية الفلسطينية نفسها.
القضية الفلسطينية غير مهمة
حاول جيسون غرينبلات أكثر من مرة قتل الروح العالية للفلسطينيين من الحديث دوماً عن أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي “ليس لب الصراع في الشرق الأوسط، محاولا إدخالهم في نفق المصطلحات بان أمريكا عندما تُنهي مشكلة الفلسطينيين مع الكيان الصهيوني فإنها لن تُيهي على تنظيم الدولة في العراق وسوريا، أو مشكلة سيناء، ولا الحرب الأهلية في سوريا، ولا حتى الحرب في اليمن، أو حزب الله اللبناني.
حتى أنه حاول إخضاع حكومة عباس إليه بالحديث عن أن ترامب معني فقط بالسلام المتعلق فقط بإسرائيل والفلسطينيين وليس هناك ما يسميه سلطة للتفاوض وذلك رداً على رفض عباس صفقة القرن
ولم يتوان غرينبلات في أحاديثه على التعريض بمكانته بين الزعماء العرب ودائما ما يُلمح إلى انه يلتقي بالعديد من الأشخاص في الشرق الأوسط بحكم منصبه، مدعياً أن هناك أفراداً منهم يحمّلونه رسالة شكر لترامب، على “إعادته الأمل بإحلال السلام في المنطقة”، وأن الحكام العرب يدركون أن إسرائيل ليست المشكلة، بل إنها تستطيع أن تكون جزءاً من الحل الذي يصبون إليه.
دحلان البديل الجاهز
أخطر في منصب غرينبلات أن الذراع القوية لترامب، وأنه لا يفعل شيء إلا بعاملين أولهما ولاءه الشديد للكيان الصهيوني، وثانيهما أنه ينفذ سياسة ترامب المتهور، للدرجة التي سمحت له بتحذير الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن بوجود من هم أفضل منه في ملء فراغ السلطة إذا واصل عباس مقاطعة التسوية الأمريكية في إشارة لمحمد دحلان عميل الأمريكان وصانع الانقلابات
نيران في مرمى حماس
ولا يكفي العميل الصهيوني من إطلاق قذائفه في كل مكان خاصة القضية الفلسطينية المُكلف بإنهائها لصالح إسرائيل، لكنه هذه المرة وجه سهامه إلى حركة المقاومة الإسلامية ” حماس” بتوجيه اتهامات له بالفشل وإلقاء مسئولية فشل عملية السلام عليها لأنها حركة إرهابية تسعى لــــــ” مص دماء واموال الفلسطينيين ” في محاولة منه لقلب ” طرابيزة” السلطة علي حماس
والسبب الرئيس وراء هجوم غرينبلات علي حماس ووصفها بالإرهابية هو رفضها ” خطة السلام الامريكية ” ووصفها بأنها “عديمة القيمة” ، حيث حاول غرينبلات تقويض مكانة حماس وتشتتين آذهانهم بل وجرهم إلى حرب كلامية يخرج من ورائهم بتأييد زعماء العرب ضد حماس ، حيث أشار إلى ان حماس لم تر خطة أمريكا للسلام مطلقا وان كلامهم جزافاً يسعى لتقويض عملية السلام التي يحترق ترامب ونتانياهو وهو لتنفيذها على أرض الواقع لكن حماس التي سرقت أموال الفلسطينيين ترفضها لان قبولها يعني عدم وجود حماس على الساحة، وهو بذلك يريد تأليب الجميع على حماس وتحمليهم مسئولية فشل السلام بين فلسطين وإسرائيل .
وإمعاناً في الكذب والتلفيق اليهودي ، زعم غرينبلات أن حماس، وليس إسرائيل، فرضت قيود متزايدة على غزة من خلال إخفاء المواد لصنع الأسلحة في شحنات المساعدات الإنسانية وغيرها من السلع التي يتم نقلها إلى غزة، ولذلك يجب على الجميع عدم السماح لحماس بالمشاركة في أي حكومة مستقبلية قبل أن تلتزم بشروط اللجنة الرباعية للشرق الأوسط – الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة – بما في ذلك الالتزام الصريح باللاعنف والاعتراف بدولة إسرائيل وكذلك القبول بالاتفاقيات والالتزامات الموقعة بين الطرفين، ونزع سلاحها والالتزام بالمفاوضات السلمية إضافة إلى إرجاع جنود جيش الدفاع الإسرائيلي المفقودين الذين تم أخذهم من قبل حماس، بالإضافة إلى المدنيين الإسرائيليين.
كل هذه شروط غرينبلات للسماح بوجود حماس في الصورة لكن إسرائيل ليس عليها شروطاً أو إملاءات.
للوقاحة وجوه كثيرة
لكن كان أخطر تصريحات العميل الصهيوني جيسون غرينبلات، مبعوث الخراب الأمريكي إلى الشرق الأوسط هو التأكيد خلال اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار نقل سفارتهم إليها هو أن اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لا يعني حسم حدود المدينة في إطار الحل، بدليل والكلام له أنه لا يمكن تحقيق السلام من دون مفاوضات، وأن وجود سفارة أمريكا بالقدس لا يعني نهاية المطاف، فتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مهمة ممكنة، وما زال هناك “طريق حقيقي للسلام”.
فقرار نقل السفارة وتبريراته نشم من خلاله رائحة هذا الرجل المتعصب للصهيونية، ولذلك فهناك ثلاثة معاونين لترامب كان لهم التأثير الأقوى في نقل السفارة إلى القدس مطيحاً بسبعة عقود تقريباً من الدبلوماسية الامريكية التي كانت ترفض وتماطل وتُعلق قرار النقل لحين التوصل إلى صيغة سلام بينهما، إلا ان وجود غرينبلات في الصورة عجلت من تنفيذ المهمة التي كانت تشتاق إليها إسرائيل وهي نقل السفارة إلى القدس
والشخصيات القوية التي آثرت في عقلية ترامب المتهور هم صهره جاريد كوشنر، والسفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان، وأخيرا مبعوثه الى الشرق الاوسط الصهيوني جيسون غرينبلات.
احتفاء إماراتي بالصهيوني
المشكلة ليست في هذا الرجل الصهيوني وتصريحاته الاستفزازية، او حتى في رئيسه ترامب ، لكن أزمة العرب في مسئوليهم الذين يعطون بعض الأفراد مكانه لا يستحقونها ومن بينهم سفير دولة الإمارات يوسف العتيبة الذي أقدم على دعوة الصهيوني غرينبلات على مائدة الإفطار الرمضانية في العاصمة واشنطن مستبشراً بأولاد العم سام
فلم ينس السفير الإماراتي، يوسف العتيبة، أن يقدم لضيفه اليهودي على مائدة إفطار برمضان الماضي وهو يعلم انه يهودي متدين؛ فقدم له من الطعام ما لا يثير حفيظة الضيف اليهودي المتدين جيسون غرينبلات.
حيث كانت وجبة إفطار استثنائية أُعِدَت خصيصاً لمبعوث الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث تم دعوته إلى أكل حلال وفق الديانة اليهودية وهو طبق “كوشير” الحلال وفق الديانة اليهودية
السفير الإماراتي يقدم طعاماً حلالا للجزار الصهيوني، وأطفال اليمن يموتون جوعاً من الضربات المتلاحقة لقوات التحالف وانتشار الأوبئة فيهم نتيجة لنقض العلاج والطعام للأطفال والعجائز أملا في نيل رضا العم سام وآذياله … فهل تستطيع حماس والقادة المخلصين من العرب الوقوف في وجه العرب الصهيوني أم يتمكن غرينبلات من الإطاحة بكل مقدس حتى تضيع من العرب … القدس و المسجد الأقصى .
أقرا/ي أيضا