- سيتعين على اليسار مواجهة الشمولية والسلطوية فكريا وحركيا بروسيا والصين وفنزويلا وبلاد العرب!
- تشابه موجه اليمين المتطرف بأوروبا وأميركا الفاشية التي اجتاحت الغرب في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
- صعود اليمين المتطرف بشعارات عنصرية وشعبوية وبخطاب كراهية ضد الأجانب ومواقف رافضة للهجرة واللجوء.
بقلم: عمرو حمزاوي
لم يترك اليمين المتطرف مكانا في أوروبا إلا وطرقه وسجل به صعودا لافتا تارة من خلال صناديق الاقتراع وتارة ثانية عبر الحراك الاحتجاجي ضد قضايا الهجرة واللجوء.
في مواجهة اليمين المتطرف بامتداداته العنصرية يقف سياسيا من جهة اليسار التقليدي الممثل في الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية واليسار التقدمي الذي تجسده أحزاب الخضر وأحزاب يسارية شبابية حديثة التأسيس، ومن جهة أخرى اليمين المحافظ الذي تحمل رايته الأحزاب المسيحية الديمقراطية وتتداخل معها أحزاب ليبرالية صغيرة.
أما الحراك الاحتجاجي لليمين المتطرف فيقارعه فقط باحتجاجات سلمية ترفض العنصرية وخطابات الكراهية ضد الأجانب واللاجئين اليسار التقليدي والتقدمي، بينما تسجل أحزاب اليمين المحافظ والأحزاب الليبرالية غيابا واضحا عن الشارع.
وقد دللت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السويد قبل أيام على طرق اليمين المتطرف كافة بقاع القارة الأوروبية موظفا لقضايا الهجرة واللجوء ومستخدما لمفردات سياسية تشبه المفردات العنصرية والشعبوية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في السويد، وهي معقل تاريخي للاشتراكية الديمقراطية، حصد اليمين المتطرف (حزب ديمقراطيي السويد) 17.6% من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات البرلمانية مسجلا نتيجته الأفضل منذ استقرت في القرن العشرين الملكية الدستورية والحكم البرلماني ودولة الرفاهة الاجتماعية.
في المقابل، توزعت بالتساوي أصوات 80 بالمئة من الناخبين بين تحالف اليسار التقليدي والتقدمي وتحالف اليمين المحافظ والليبراليين على نحو سيصعب كثيرا من تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ما لم يقرر القائمون على أحزاب اليسار واليمين التعاون.
وسبق انتخابات السويد تنافس على الحراك الاحتجاجي في الشارع حاول من خلاله اليمين المتطرف نشر مشاعر الخوف من المهاجرين واللاجئين والإفادة منها انتخابيا.
وقارع اليسار ذلك بحراك رافض للعنصرية وبتذكير الناخبين بقيمة الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والحفاظ على الطبيعة المتسامحة والمنفتحة على الآخر للمجتمع السويدي.
لم يعد صعود اليمين المتطرف قاصرا على الديمقراطيات حديثة العهد نسبيا في وسط وشرق أوروبا (المجر مثالا)، ولا على الديمقراطيات المأزومة اقتصاديا في جنوبها (إيطاليا مثالا).
ولم يعد يمكن اختزال صعود المتطرفين والعنصريين في إشكاليات ذات طبيعة خاصة في بلدان أوروبية كبيرة كصعوبات اندماج ذوي الهوية الإسلامية في فرنسا وتحديات دمج الولايات الشرقية في ألمانيا الموحدة ونشر ثقافة التسامح مع الأجانب واللاجئين في مدن الشرق.
فقد صار صعود اليمين المتطرف ظاهرة عامة ومرشحة للبقاء في الحياة السياسية الأوروبية لفترة ليست بالقصيرة (بمعزل عن أسماء الكيانات الحزبية التي تمثل اليمين المتطرف والتي قد تتبدل مستقبلا).
بنجاحات انتخابية متتالية وبنسب تصويتية تقترب من 20 بالمئة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ألمانيا وإيطاليا والسويد وغيرها وبنسب تصويتية أعلى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية خلال السنوات الماضية وبإخراج لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء شعبي، بات اليمين المتطرف بامتداداته العنصرية والشعبوية كتلة سياسية مؤثرة في أوروبا.
وأغلب الظن أن ما ستشهده البلدان الأوروبية من صراعات خلال السنوات القادمة سيكثف، انتخابيا واحتجاجيا، حول الموقف من اليمين المتطرف وقضايا الهجرة واللجوء التي يوظفها..
بينما سيتواصل تراجع الأهمية السياسية لقضايا كبرى كمستقبل نظم الرفاه الاجتماعي وتوزيع الثروة وحظوظ محدودي الدخل من خدمات التعليم والرعاية الصحية ورعاية كبار السن ودور الدولة ودور القطاع الخاص في كل ذلك.
وإذا ما استثنيا الضوضاء المحيطة بدونالد ترامب، لا تختلف الملامح العامة للمشهد السياسي الأمريكي عن ملامح المشهد الأوروبي.
فصعود اليمين المتطرف بشعارات عنصرية وشعبوية وبخطاب كراهية ضد الأجانب ومواقف رافضة للهجرة واللجوء يقابله تلاقي إرادة القوى اليسارية والمحافظة على مواجهته.
وتتنامى حظوظ اليسار التقدمي والشبابي في تصدر ساحات مقارعة اليمين المتطرف (نتائج مرشحي اليسار التقدمي والشبابي، خاصة النساء، في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي).
لذا، لا يجافي الصواب الدفع بتشابه موجه اليمين المتطرف الراهنة في أوروبا والولايات المتحدة مع موجه الفاشية التي اجتاحت الحواضر الغربية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ورتبت صراعات سياسية حادة وحروبا أهلية دامية وحربا عالمية شهدت غير المسبوق من الفظائع.
ومثلما تصدر اليسار وتبعه اليمين المحافظ والليبراليين مواجهة الفاشية، من إسبانيا الجنرال فرانكو إلى ألمانيا الهتلرية، يعود اليسار بزي تقدمي وشبابي للاضطلاع بمهمة مواجهة اليمين المتطرف وحماية الديمقراطيات الغربية من الانزلاق إلى فاشية جديدة وقودها رفض الأجانب واللاجئين.
ومثلما يواجه اليسار التقليدي والتقدمي متبوعا باليمين المحافظ والليبرالي أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، سيتعين عليه أيضا فكريا وحركيا مواجهة الحكومات الشمولية والسلطوية في روسيا والصين وفنزويلا وممالك وجمهوريات بلاد العرب..
وهذا يقتضي توظيف مفردات خطابه الإنساني القائم على المساواة والتسامح ومستغلا قربه من الفئات العمرية الشابة وثقافتها التي أضحت ذات طبيعة عالمية صريحة في رفضها للظلم والتهميش.
أما المحافظون والليبراليون في مواطن الشمولية والسلطوية، فلن يقدموا لليسار غير بعض المفردات الإضافية عن ضرورات الحفاظ على التقدم الاقتصادي وأهمية الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات التي لن تفلح في مواجهة الاستبداد ما لم يتحرك الناس بداية لإيقاف الظلم والتهميش.
٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية وباحث بجامعة ستانفورد الأميركية.
المصدر: القدس العربي