عن التدخل الخارجي العربي
- التدخل السعودي والإماراتي في بلدان الربيع العربي قام بإجهاض التغيير ودعم أنظمة قائمة وتثبيتها.
- هل يمكن للعرب أن يعيشوا بدون تدخل أجنبي؟
- ظاهرة جديدة في المشهد الإقليمي: “التدخل الخارجي العربي” ليس في دول معادية بل في شؤون دول عربية أخرى.
بقلم: خليل العناني
لم يخل العالم العربي من الوجود الأجنبي على أراضيه، منذ ما تسمى حقبة الاستقلال الوطني التي بدأت أواسط القرن الماضي. ولئن رحل الاحتلال العسكري عن أكثر من بلد عربي، إلا أنه لم يلبث أن عاد في أشكال أخرى.
ما بين احتلال فكري وثقافي، ناهيك عن التبعية الاقتصادية والتكنولوجية، حتى وصل الأمر إلى عودة التدخل العسكري مرة أخرى، كما حدث في العراق وليبيا واليمن وسورية والسودان والصومال وغيرها.
ويصل الأمر إلى حد التساؤل: هل يمكن للعرب أن يعيشوا بدون تدخل أجنبي؟
وهو سؤال كاشفٌ لواقع الحال في العالم العربي الذي بات مسرحاً لكل اللاعبين الدوليين والإقليميين، يتدخلون فيه من أجل تحقيق مصالحهم، وليس مصالح البلدان العربية ومجتمعاتها.
وذلك إلى درجةٍ أصبح فيها مصير بعض الحكام العرب مرهونا بقرار خارجي، وليس بيد شعوبها، كما هي الحال في السعودية ولبنان والعراق واليمن وسورية.
وإذا كانت مصر الناصرية قد حاولت وقف التدخل الخارجي الغربي، فقد تدخلت هي نفسها في شؤون دول عربية وأفريقية أخرى، تحت شعارات دعم حركات التحرّر والمقاومة. منذ ذلك الوقت، أصبحت بلاد العرب مستباحة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
ورغم أن التدخل الأجنبي في بلاد العرب قديم، إلا أنه اتخذ أشكالاً جديدة خلال العقدين الأخيرين.
ففي الماضي كان التدخل يتم، في أغلب الأحوال، لأسباب إيديولوجية، خصوصا خلال مرحلة الحرب الباردة والصراع الضاري بين المعسكرين الغربي والشرقي. بينما أخذ التدخل أشكالاً جديدة، جاء معظمه من قوى إقليمية، كما الحال مع إيران في لبنان والعراق وسورية.
أصبحنا الآن إزاء ظاهرة جديدة في المشهد الإقليمي، وهي “التدخل الخارجي العربي”، ليس في دول معادية، وإنما في شؤون دول عربية أخرى.
كما أن التدخل لم يعد من خلال إرسال الجنود والدبابات، وإنما بات يتم من خلال استخدام أدوات تقنية وتكنولوجية عالية، مثل اختراق شبكات الاستخبارات للدول المجاورة، وقرصنة مواقعها الإلكترونية، ونشر الفوضى والإشاعات وهكذا.
وإذا كان التدخل الخارجي يتم في الماضي من أجل حسم صراعاتٍ على النفوذ والمصالح الاستراتيجية، فإن بعضاً منه يتم حالياً من أجل تغيير الأنظمة في حالاتٍ معينة، أو وقف تغييرها في حالات أخرى.
ولا يمكن فهم النزوع الإمبريالي لكل من السعودية والإمارات بعيداً عن هذا النوع من التدخلات الخارجية، فالتدخل السعودي والإماراتي في بلدان الربيع العربي قام بالأمرين معاً (وقف التغيير ودعم أنظمة قائمة وتثبيتها) كما حدث في مصر والبحرين واليمن وليبيا.
فالمعروف أن كلا البلدين لا يطيقان أي عملية تغيير قد تفضي، في النهاية، إلى تحقيق الديمقراطية، باعتبارها تمثل خطرا وجوديا على أنظمتها وحكامها. في حين أنها تدخلت لحماية عرش حلفائها في البحرين ومصر عبر تشجيع قمع المعارضين، والتحريض عليهم.
وفي حين تشجب الإمارات والسعودية وتدين تدخل إيران “وعبثها” في شؤون المنطقة، فإنهما لا تتوقفان عن التدخل في شؤون الآخرين تحت مسميات مختلفة، مرة باسم “دعم الشرعية” كما الحال في اليمن، ومرة باسم “الحرب على الإرهاب” كما هو الوضع في مصر وليبيا.
وهو أمر لا يعكس ازدواجية سياسية وأخلاقية (هل يجوز أن نصف التدخل الخارجي بالأخلاقي أصلاً؟!) فحسب، وإنما يعكس أيضا، وهنا المفارقة، رغبةً في الهيمنة والسيطرة، لا تمتلك الدولتان مقوماتهما بأي حال. لذا ليس غريباً أن يكون مصير تدخلهما الفشل الذريع، على غرار ما يحدث حالياً في اليمن وليبيا ومصر.
بل أدى تدخلهما إلى تحقيق عكس ما رغبتا به. فإيران أصبحت أكثر حضوراً في الفناء الخلفي للبلدين، وتلاعبهما عبر مليشيات كانت، حتى وقت قريب، لا تجد الحد الأدنى للحياة، ناهيك عن امتلاكها سلاحا بات أقرب لعاصمتي البلدين من ذي قبل.
* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا
المصدر: العربي الجديد – لندن
عذراً التعليقات مغلقة