كشفت الحرب في أوكرانيا عنصرية الغرب، وأكثر ما تجلّت بالمقارنة مع الحالة السورية، كون الغازي واحدا، هو القوات الروسية.
“القوي يفعل ما يشاء، والضعيف يعاني ما يجب أن يعانيه”.. ما زلنا ضعافاً نفسياً وجسدياً، فسنظل نعاني من قوة عدونا النفسية والجسدية، صاحب الإمكانيات.
فتح باب التطوع للشباب الغربي للقتال ضد القوات الروسية بأوكرانيا ومع هذا يرفض ويعتبر كل من يقاتل بجانب ثوار سوريا إرهابيا متطرفا واجب القتل.
رغم يهودية رئيسها وبعض وزرائه وتأييده علناً لعدوان الصهاينة على غزة، هذا لم يمنع تعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع أوكرانيا ضد غزو روسيا!
* * *
بقلم: أحمد موفق زيدان
قيل قديماً بضدها تتمايز الأشياء، ولكن في حالة العنصرية بتماثلها تتمايز الأشياء. فقد كشفت الحرب في أوكرانيا عن جوانب عنصرية في المجتمع البشري، وأكثر ما تجلّت بالمقارنة مع الحالة السورية، كون الغازي واحدا، وهو القوات الروسية.
فعلى الفور وبعد غزو بوتين لأوكرانيا أقال الاتحاد العالمي بوتين من رئاسته الفخرية، وهو الذي ظل رئيساً فخرياً للاتحاد على مدى سنوات احتلاله لسوريا، ودكه للمدن والمشافي والمدارس والمخابز والأسواق وكل ما يمتُّ للأحياء بصلة، فقتل عشرات الآلاف وشرّد الملايين، ولم يأت الاتحاد على ذكر رئاسته أبداً، ليفاجأ العالم كله بإقالته من منصبه بعد غزوه أوكرانيا مباشرة.
العالم بغربه وشرقه حمّل يوماً ما الدول الخليجية مسؤولية نفرة الشباب العربي والإسلامي لنجدة المجاهدين الأفغان ضد الغزاة السوفييت في الثمانينيات، يوم كان ينعتهم بمقاتلي الحرية!
هو نفس العالم الذي بدأ يشن هجومه على هذه الدول التي نفر بعض شبابها للقتال بموافقة ورضا أمريكي وغربي، لإدماء الدب السوفياتي يومها، لكن حين انقلب بعض هؤلاء الشباب على الغرب، بدأ ينعتهم بالإرهابيين، ويتهم دولهم التي كان متعاطفاً معها بالأمس بالمسؤولية عن مآلات الأحداث.
اليوم العالم ذاته هو الذي يعلن وعلى لسان قادته ورؤساء حكوماته ووزراء خارجيته فتح باب التطوع للشباب الغربي للقتال ضد القوات الروسية في أوكرانيا، بينما صمت تماماً عن كل المليشيات الطائفية التي تقتل الشعب السوري على مدى 11 عاماً، لكن ومع هذا يرفض ويتهم كل من يقاتل إلى جانب الثوار في سوريا بأنه إرهابي متطرف واجب القتل.
صورة أخرى من صور العنصرية التي كشفتها الحرب في أوكرانيا هو تمجيد الغرب، سياسيوه وإعلامه للضابط الأوكراني الذي فجّر نفسه في رتل للدبابات الروسية، فأشاد به الجميع، وأشاد ببطولاته وجرأته!
في مقابل الصورة النمطية التي روّجها الساسة والإعلام ومراكز الأبحاث الغربية عن الانتحاريين المسلمين الذين كانوا يقومون بالدفاع عن أنفسهم ضد الغزاة والمحتلين، ولا أتحدث بالطبع عن حماقات البعض في تفجير أنفسهم وسط المدنيين، وللأسف فالصورة النمطية الغربية هذه انسحبت حتى على بعض النخب العربية والإسلامية التي شنت هجوماً على كل المفجرين أنفسهم بالمعتدين والغزاة والمحتلين، على أنه عمل انتحاري غير مقبول شرعاً.
ومن صور عنصرية الحرب الأوكرانية مقارنة بعض الساسة والإعلاميين الغربيين بين مهاجري ومشردي أوكرانيا ومهاجري ومشردي حروب سوريا والشرق الأوسط، الذين رأوا القسم الأول متحضرين ومتعلمين ومتفقين مع تاريخهم ومعتقداتهم، بينما الطرف الآخر غير ذلك، مما كشف عن مدى العنصرية البغيضة التي تسكن في قلوب الكثيرين.
ينبغي أن توحّد الحروب المظلومين والإنسانيين والبشر، ونحن نرى تعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع أوكرانيا لأنها مظلومة رغم يهودية رئيسها وبعض وزرائه، وتأييده علناً في السابق لعدوان الصهاينة على غزة، ولكن مع هذا لم يمنع الشعوب العربية والإسلامية من التعاطف مع أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
لكن تبقى الخلاصة فيما قاله المؤرخ اليوناني القديم ثيوسيديز: “القوي يفعل ما يشاء، والضعيف يعاني ما يجب أن يعانيه”. فما زلنا ضعافاً نفسياً قبل جسدياً، فسنظل نعاني من قوة عدونا النفسية والجسدية، صاحب الإمكانيات.
* د. أحمد موفق زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري
المصدر| الشرق
موضوعات تهمك: