تتجاهل ألمانيا تحفظات أمريكا التي تكابر في الاعتراف باتجاه العالم نحو التعددية القطبية، ونهاية هيمنتها الأحادية.
عصر الهيمنة الأمريكية آخذ في التصدع وهذه القناعة موجودة أو آخذة في التبلور لدى قوى أوروبية أخرى ولو لم تفصح عنها صراحة.
يُقرأ اللقاء الألماني الصيني في سياق تحوّلات الوضع الدولي حيث تقدم ألمانيا ذات الاقتصاد الأوروبي الأقوى على تقوية جسور تعاون ممدودة أصلاً مع الصين.
أثارت زيارة شولتس للصين انتقادات حادة وتحفظات من جانب أمريكا ودوائر غربية، وداخل ائتلاف شولتس الحاكم فأعرب البعض عن قلق حيال اعتماد ألمانيا الشديد على الصين.
* * *
في ظرف أوروبي ودولي دقيق وحرج، قصد المستشار الألماني أولاف شولتس العاصمة الصينية بكين، وهناك التقاه زعيمها القوي شي جين بينغ، الذي جددت له ولاية ثالثة مؤخراً.
وفي حين قال زعيم الصين لضيفه الألماني «إنه يتعين على الصين وألمانيا، باعتبارهما دولتين كبريين تملكان نفوذاً، العمل سوياً خلال أوقات التغيير والاضطراب من أجل السلام العالمي»، فقد أثارت تلك الزيارة انتقادات حادة وتحفظات من جانب الولايات المتحدة، وبعض الدوائر الغربية الأخرى، بل وحتى داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا الذي يتزعمه شولتس، حيث أعرب بعضهم عن القلق حيال اعتماد ألمانيا الشديد على بكين.
في محاولة منه لتبرير زيارته، والدفاع عن الغايات منها، قال شولتس إنه طرح سلسلة مواضيع «صعبة» على الجانب الصيني بينها حرب أوكرانيا، واحترام الحريات المدنية.
لكن مَن قال إن الزعيم الصيني سيصغي لهذه الملاحظات، فهو سيسمعها من أذنه اليمنى ويخرجها من اليسرى، كما يقال، وكأنه لم يسمع، لأنه يدرك أن شولتس لم يقطع كل هذه المسافات من أجل أن يقول ما قاله.
بل أتى محمولاً على الشعور بضرورة التعاون الاقتصادي مع الصين في ظل تفاقم أزمات الوضع الدولي، خاصة على صعيد توريدات الطاقة، على خلفية الحرب الروسية الجارية على أراضي أوكرانيا.
هذا ما يؤكده الخبراء والمحللون السياسيون، فالزيارة تأتي بعد منح برلين الضوء الأخضر للصين للحصول على حصة في ميناء هامبورغ رغم معارضة أطراف في ائتلاف شولتس الحاكم، ومخاوف عبرت عنها الولايات المتحدة.
ويرى هؤلاء أن الوضع الاقتصادي الحالي لألمانيا التي تشهد تضخماً تاريخياً وركوداً يلوح في الأفق، هو السبب وراء سياسة برلين تجاه بكين وموقفها الأقل حدة مقارنة بقوى أخرى في حلف الناتو.
يجب أن يقرأ اللقاء الألماني الصيني في سياق تحوّلات الوضع الدولي برمته، حيث تجد القوة الأوروبية الأقوى اقتصادياً نفسها محمولة على تقوية جسور التعاون، الممدودة أصلاً، مع الصين، متجاهلة تحفظات حلفائها، خاصة في واشنطن، التي تكابر في الاعتراف بمتغيرات العالم باتجاه التعددية القطبية، ونهاية عصر الهيمنة الأمريكية الآخذة في التصدع، ولا شك أن هذه القناعة موجودة أو آخذة في التبلور لدى دول أوروبية أخرى، حتى لو لم تفصح عنها صراحة.
*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر: الخليج – أبو ظبي
موضوعات تهمك: