علي محسن الأحمر.. الطموح لرئاسة اليمن
كراهية الجنوبيين للأحمر ستكون فرصة للإمارات نحو تنفيذ أجنداتها بجنوب اليمن.
الأحمر جاء من عمق المؤسسة العسكرية اليمنية، حيث كان من أهم دعائم نظام علي عبدالله صالح.
بقلم: بشرى المقطري
لطالما كانت سلطة نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن الأحمر، قوة فعلية مستقلة عن إدارة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وإن استمدت قوتها من غطاء شرعيته، ووظفتها لصالحه، وفي حين ظلت القوى والأحزاب السياسية المنضوية في الشرعية اليمنية تتغاضى عن السلطة المتنامية للنائب طوال عامين، فإن التسريبات المتكرّرة حول تدهور صحة الرئيس اليمني، واحتمال عجزه عن مزاولة مهامه، أثارت قلق القوى المنضوية في تحالف الشرعية، حيال البديل السياسي له، إذ إن استمرار تولي النائب مهام الرئيس لن يؤثر فقط على توازن القوى داخل تحالف الشرعية، وإنما على مستقبلها السياسي، بما في ذلك مسارات الحرب، والتسوية السياسية المقبلة في اليمن.
بقدر ما أعادت الأخبار المتضاربة حول صحة الرئيس هادي سلطة نائبه إلى الواجهة، فإن الأخير لم يكن طارئاً على المشهد السياسي اليمني، فقد كان، بحد ذاته، سلطة منتجة للصراعات في ظل الأنظمة السياسية اليمنية المتعاقبة، وعابرة لها، إذ تنامت سلطة الفريق الأحمر أكثر من ثلاثة عقود، لتأخذ شكلها الحالي في ظل الحرب الحالية، فإضافة إلى الاصطفافات المحلية والإقليمية التي عمقت من نفوذ القادة العسكريين في اليمن؛ فإن الرجل جاء من عمق المؤسسة العسكرية اليمنية، حيث كان من أهم دعائم نظام علي عبدالله صالح العسكرية حينها.
وبمعزل عن صالح أيضاً، استطاع علي محسن الأحمر مراكمة نفوذه داخل المؤسسة العسكرية، ليشكل سلطة منفردة داخل هذه المؤسسة. ومن خلال علاقاته المتوازنة مع القوى المتدخلة في اليمن، نجح بضمان نوع من الحياد حيال انتمائه للجناح العسكري لحزب التجمع اليمني للإصلاح، كما استفاد من استمرار غياب الرئيس هادي خارج اليمن لمضاعفة نفوذه داخل الشرعية، ليصبح القوة المطلقة التي تدير دفتها.
فرغم أن تعيين الفريق الأحمر نائباً للرئيس كان رسالة سياسية موجهة من هادي للقوى الجنوبية المنادية بفك الارتباط، وكذلك جماعة الحوثي، أكثر من أنها خطوة مدروسة، إلا أن استمرار بقاء الأحمر نائباً للرئيس في هذا الظرف، وتحديداً في حال عجز هادي الكامل، يعني طرحه كبديل محتمل لهادي في المرحلة المقبلة، وهو ما سوف يؤدي إلى حسم الصراع داخل أجنحة الشرعية لصالح طرف، إضافة إلى تعميق الأزمة اليمنية.
إذ إن غياب هادي أو انتقال السلطة إلى نائبه، يعني خلو معسكر الشرعية من الطرف الرئيس الذي تقع عليه مشروعية إيجاد تسوية سياسية تنهي حالة الحرب في اليمن، كما أن غياب هادي يعني تجريف المشروعية السياسية لتحالف الشرعية، كسلطة معترف بها دولياً، إضافة إلى أن غيابه يعني انتفاء مشروعية التدخل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن، وإن لم يؤدِّ بالضرورة إلى إنهاء وجوده على الأرض.
شكل تعيين الفريق علي محسن الأحمر نائباً للرئيس تحولاً في صراع القوى والأحزاب المنضوية في تحالف الشرعية، إذ نجح الفريق الأحمر، من خلال موقعه نائبا لرئيس الجمهورية، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في تجذير سلطة حزب الإصلاح داخل منظومة الشرعية، وذلك من خلال الاستحواذ على التمثيل السياسي في المؤسسة الرئاسية.
كما استطاع من خلال نفوذه داخل المؤسسة العسكرية السيطرة على الجيش الذي شكله الرئيس هادي، وذلك عبر تمكين القيادات العسكرية المنتمية لحزب الإصلاح من قيادة الألوية الجديدة، وإزاحة خصوم حزب الإصلاح بإدخالهم في مواجهاتٍ مع الجيش التابع له.
وبالتالي فإن استمرار بقائه نائبا، وتوليه مهام الرئيس هادي، يعني تسيد حزب الإصلاح، ما سوف يؤدي إلى تفكك الاصطفافات المحلية الموالية للشرعية، وتدشين حروب وراثة شرعية الرئيس هادي بين حلفائه المحليين، كما أن تولي الفريق علي محسن الأحمر، العدو التقليدي لجماعة الحوثي والجنوبيين، صلاحيات الرئيس، يعني استمرار الصراع الداخلي في اليمن إلى أجل غير معلوم.
إدراك القوى والأحزاب اليمنية من حلفاء الشرعية، وكذلك القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، المأزق الذي ستدخل فيه السلطة الشرعية في حال عجز الرئيس اليمني عن ممارسته مهامه، وانتقال السلطة إلى نائبه، جعل هذه القوى تعيد النظر في شبكة تحالفاتها الداخلية في إطار الشرعية، بما في ذلك تموضعاتها، وهو ما جعلها بين خيارين، الدفاع عن سلطة النائب، كحزب التجمع اليمني للإصلاح، أو معارضة سلطته، كالقوى المحلية الأخرى المناهضة للإصلاح.
من جهة، يسعى الحزب إلى استثمار الموقف لصالحه، عبر إضفاء مشروعية سياسية على سلطة النائب، وذلك باعتباره امتداداً لشرعية هادي، كونه نائبَ رئيس شرعي، إلا أن ذلك يتناقض كليا مع مضامين الشرعية، ومعناها الذي ينحصر في شخص الرئيس هادي، كون بقائها في الظروف الحالية مرهوناً ببقائه.
ومن جهة أخرى، ترى القوى المحلية المعارضة علي محسن الأحمر أن انتقال السلطة إليه يعني إزاحتها من المشهد السياسي حاليا، وحرمانها مستقبلاً من أي تمثيل سياسي في السلطة اليمنية، في حين تختلف القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، في تعاطيها مع سلطة نائب الرئيس.
يمثل الفريق علي محسن الأحمر خياراً مثالياً لمستقبل السلطة الشرعية اليمنية بالنسبة للأجندات السعودية طويلة الأمد في اليمن، فرغم تخوّف السعودية من أي تغيير مفاجئ في رأس السلطة الشرعية قد لا يخدم مصالحها، فإن الأحمر يعد امتداداً للتحالف السعودي التاريخي مع القوى اليمنية التقليدية، كونه أحد رجالات صالح، وكذلك لنفوذه في المؤسسة العسكرية، وعلاقته المتشعبة مع قبائل شمال الشمال.
فإضافة إلى أنه يمثل الجناح التقليدي لحزب الإصلاح الذي يرى في النظام السعودي حليفاً تاريخياً، فإن تمتع الفريق الأحمر بعلاقات استثنائية مع القوى الدينية المتشددة يمنحه تفوقاً بالنسبة للسعودية على البدائل اليمنية الأخرى. ومن ثم ترى السعودية بالفريق الأحمر البديل القادم المثالي لها، لتحقيق أجنداتها في اليمن، سواء تولى مهام الرئيس هادي بشكل رسمي أو ظل نائباً.
ومن زاوية مختلفة تماماً، لكن متفقة في الأهداف، لا تبالي الإمارات بسلطة نائب الرئيس في الوقت الراهن، ولا حتى بتوليه مهام الرئيس، إذ إن كراهية الجنوبيين شخص علي محسن ستكون فرصة للإمارات، للمضي بتنفيذ أجنداتها في جنوب اليمن.
في حال العجز النهائي للرئيس اليمني، أو غيابه تحت ظرف أو آخر، سيكون الواقع اليمني على الأغلب أكثر تعقيداً وبؤساً، لكن ترتيب بيت السلطة الشرعية، وتعيين رأسٍ لها، سواء كان الفريق علي محسن الأحمر، أو غيره، يعنيان انفراد قوى محلية في الشرعية على حساب القوى الأخرى المنافسة لها، وتدشين دورة جديدة من العنف الداخلي، ومن ثم استمرار نفوذ القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن بتحالفات وأجندات جديدة، لكنها تحقق المصالح نفسها.
* بشرى المقطري كاتبة وناشطة وروائية يمنية.
المصدر: العربي الجديد