- تم تجنيد أشرف بعد وفاة ناصر بشهور طويلة وبعد انحياز أشرف للسادات في صراعه مع «مراكز القوى».
- صمت مصر قبول ضمني لرواية إسرائيل وإدانة للنخبة الحاكمة منذ السادات للآن، فإلى متى؟
- الرواية الإسرائيلية التي وثقها كتاب الملاك ستظل مصدقة إلى أن تصدر رواية مصرية تفندها بالوثائق.
- عبد الناصر ليس مسؤولا عما جرى ويجب مساءلة آخرين على رأسهم السادات.
بقلم: حسن نافعة
ما تزال أوساط معينة في مصر تتحين كل فرصة للإساءة لسمعة عبد الناصر وتصر على إلصاق التهم به حتى ولو كان بريئا منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
فحين تجدد الجدل حول كتاب «الملاك»، بمناسبة تحويله إلى فيلم سينمائي، سنحت فرصة جديدة للمصابين بعقدة عبد الناصر. والأسئلة على ذلك أكثر من أن تحصى، لكني سأختار منها واحدا فقط.
فقد كتبت منذ أيام تغريدة في صفحتي على تويتر نصها كالتالي: «لولا خلاف بين جهازي الموساد والمخابرات العسكرية الإسرائيلية لما انكشفت قصة الجاسوس أشرف مروان المذهلة.
الرواية الإسرائيلية التي وثقها كتاب الملاك ستظل مصدقة إلى أن تصدر رواية مصرية تفندها بالوثائق. في صمت مصر قبول ضمني لرواية إسرائيل وإدانة للنخبة الحاكمة منذ السادات للآن، فإلى متى؟».
وعلق الملياردير المصري المعروف نجيب ساويرس بتغريدة تقول: «أشرف مروان جاسوس من زمن عبد الناصر»، وهي عبارة محملة بمعان مختلفة، بعضها مضمر والآخر صريح، لكنها جميعا تسيء لعبد الناصر.
فهي، في أحسن الفروض، تلمح إلى مسؤولية عبد الناصر السياسية، بحكم وجوده على رأس الدولة طوال الفترة التي نشأ فيها الجاسوس المصري وترعرع!
وفي أسوئها تلمح إلى مسؤولية عبد الناصر الشخصية وربما إلى تورطه المباشر، فالجاسوس صهر عبد الناصر أي الرجل الذي اختاره بنفسه زوجا لابنته الصغرى!!
ولأن العبارة التي كتبها ساويرس تدل على أنه لم يقرأ الكتاب وليس معنيا بتحري الحقيقة قدر عنايته بالهجوم على عبد الناصر، فربما يكون من المفيد تذكرة القارئ بما ورد في كتاب «الملاك» حول علاقة عبد الناصر بصهره، أي من المنظور الإسرائيلي، ثم نتركه يحكم بنفسه على حجم المسؤولية التي تقع على عاتق عبد الناصر. فهذا الكتاب يؤكد:
- أن أشرف مروان لم يقع في حب منى، كريمة عبد الناصر، وكان سعيه للتعرف عليها من خلال شقيقته مدفوعا برغبة انتهازية حارقة للتقرب من عائلة الرجل الذي يحكم مصر. أما منى فقد وقعت في حبه من أول نظرة وظلت مخلصة له طوال حياتها.
- حين تحرى عبد الناصر عن أشرف لم تكن المعلومات التي وصلته من النوع الذي يطمئنه، بعكس ما حدث حين تقدم حاتم صادق لخطبة هدى كريمته الكبرى، ومن ثم حاول إثناء ابنته لكنها تمسكت به بإصرار.
- لم يحصل أشرف بعد زواجه من منى على أي مزايا استثنائية في عهد عبد الناصر الذي حرص على أن يعمل أشرف في مكتبه تحت إشراف ورقابة سامي شرف. ولأنه لم يكن سعيدا بهذا الوضع فقد سعىى للحصول على منحة دراسية في لندن، وهو أمر لم يكن صعبا على صهر عبد الناصر الذي لم يكن لديه بدوره سبب وجيه للاعتراض. فماذا يقول لابنته؟
- حين علم عبد الناصر أن صهره استدان من أسرة كويتية معروفة للعائلة (السيدة سعاد الصباح وزوجها) مبالغ مالية خسرها على طاولة قمار، استدعى ابنته وزوجها إلى مصر على الفور وأصر على طلاق منى التي رفضت فاضطر عبد الناصر للرضوخ حتى لا يكسر قلب ابنته وأصر على أن يسدد ما اقترضه.
- أجرى أشرف أول اتصال له بالسفارة الإسرائيلية في لندن من تليفون عمومي قبل وفاة عبد الناصر بشهرين عام 70 لكنها لم تأخذه على محمل الجد، خصوصا وأنه رفض ترك رقم تليفونه. لذلك فإن التجنيد الفعلي لأشرف لم يتم إلا بعد وفاة عبد الناصر بشهور طويلة وبعد انحياز اشرف للسادات في صراعه مع «مراكز القوى» الأمر الذي أهله لشغل مواقع حساسة في مكتب السادات إلى أن اصبح مديرا له.
- يؤكد الكتاب في أكثر من موقع أن الرغبة في الانتقام، وكراهية أشرف لكل ما يمثله عبد الناصر سياسيا وأخلاقيا، كان احد أهم دوافع أشرف للعمل كجاسوس لحساب أعدى أعداء عبد الناصر.
نحن لا ننكر أن أشرف، إن صحت الرواية الإسرائيلية عنه، جلب العار ليس فقط لعبد الناصر وأسرته، وإنما لمصر كلها، وللأمتين العربية والإسلامية، ومن هنا مطالبتنا ألا تصمت مصر، وأن تطرح روايتها لما حدث. لكن عبد الناصر ليس مسؤولا عما جرى ويجب مساءلة آخرين على رأسهم السادات.
- د. حسن نافعة مفكر وأكاديمي مصري.
المصدر: «الوطن» القطرية