- لا تقتصر النية على تمزيق البنية الأساسية الإنسانية للجوء الفلسطيني، بل تسعى لتغيير فهم العالم له وطريقة التعامل معه.
- «الحل» الأميركي تجريد الأبناء من صفة اللجوء وحصر خدمات الأونروا باللاجئين الأوائل الأحياء وتحويل أموالها لبلدان مضيفة لـ«توطينهم» ومحو حق العودة.
- مقاربة تشخِّص «أونروا» كمسبِّب لواقع اللاجئين لا كنتيجة.. واقع لن ينتهي حتى لو فُكِّكت «أونروا» مما سيَذر ملايين بلا تعليم أو عمل أو غذاء أو رعاية صحية.
- نهج كوشنر هو القضاء على مطالب الفلسطينيين بالسيادة والعودة إلى ديارهم وهو حقٌ مكفولٌ للاجئين عالميا.
بقلم: زينة الآغا
تشن الإدارة الأميركية هجمةً على اللاجئين الفلسطينيين. فثمة تدابير دبلوماسية وقانونية ومالية– يهندسها بالمقام الأول صهرُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبيرُ مستشاريه جاريد كوشنر– تهدف إلى شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين من المفاوضات وبالتالي القضاء على مطالبات الفلسطينيين بالعودة إلى موطنهم وحقهم في التعويض، وذلك قبل الكشف عن «صفقة القرن».
تنتهج الإدارة في هذا الصدد مقاربةً توظِّف فيها القيود المالية والضغوط الدبلوماسية وضغوط اخرى على الكونغرس.
ما برحَ كوشنر يسعى منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017 إلى تفكيك «أونروا» التي أُسست بهدف تقديم الغذاء والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم إبان النكبة في عامي 1947-1948 ويبلغ تعدداهم حاليا 5.3 ملايين لاجئ فلسطيني.
حاك كوشنر سلسلةً من الاقتطاعات في المساهمة المالية المقدمة لأونروا، موصلًا الوكالة الأُممية إلى حافة الانهيار. في كانون الثاني/يناير، خفَّضت الولايات المتحدة أولى دفعاتها من مساهمتها السنوية للأونروا من 125 مليون دولار إلى حوالي النصف.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في الأسبوع قبل الماضي أنها لن تساهم بعد اليوم في تمويل «أونروا» ووصفتها بأنها «معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه».
طلب البيت الأبيض أيضًا من الكونغرس أن يُمسِكَ عن صرف ما مقداره 200 مليون دولار من المساعدات الأميركية المقدمة لمنظمات الإغاثة الخاصة والجمعيات الخيرية غير الحكومية (مثل ميرسي كوربس Mercy Corps) العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
كما يعكف كوشنر على إعادة صياغة وضع اللاجئين الفلسطينيين. تتهم إسرائيل وحلفاؤها بالولايات المتحدة وكالةَ «أونروا» بإدامة قضية اللاجئين وتعزيز حق الفلسطينيين في العودة بمنح صفةَ اللجوء لذراري المطرودين من فلسطين إبان النكبة.
«الحل» الأميركي هو تجريد هؤلاء الأبناء من صفة اللجوء، ثم حصر خدمات الأونروا في اللاجئين الأوائل الذين لا يزالون أحياء ويقدَّر عددهم بين عشرين وثلاثين ألفا (الرقم يتناقص كل عام)، وقطع خدمات «أونروا» عن نسل هؤلاء، وتحويل الأموال لبلدان مضيفة لهؤلاء اللاجئين بهدف «توطينهم»، والقضاء على إمكانية العودة.
في أروقة الكونغرس ثمة مشروع قانون يسعى إلى تقنين هذه الصيغة الجديدة. ينص مشروع قانون مجلس النواب رقم 6451 على أن اللاجئين الباقين على قيد الحياة هم فقط المؤهلون لإعادة التوطين والحصول على خدمات الأونروا.
وأن تذهب باقي المساعدات للوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، المحكومة بقانون تايلور فورس لسنة 2018 الذي يحظر تقديم المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تلبي شروطًا معينة.
وقد أُحيل مشروع القانون إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.
التلاعب بصفة اللجوء
لا تقتصر النية على تمزيق البنية الأساسية الإنسانية التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين الضعفاء، بل تسعى أيضًا إلى إحداث تغيير جذري في طريقة فهم اللجوء الفلسطيني والتعامل معه.
غير أن هذا التلاعب قصير النظر، ومخطئ في أساسه لأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعترف بأبناء اللاجئين كلاجئين.
وهذه المقاربة تخطئ أيضًا إذ تشخِّص الأونروا كمسبِّب لواقع اللاجئين، وليس كنتيجة منبثقة منه، فهذا الواقع لن ينتهي حتى لو فُكِّكت «أونروا». بل إن زوالها سوف يَذر الملايين بلا تعليم أو عمل أو غذاء أو رعاية صحية.
يُراهن كوشنر على رضوخ الفلسطينيين، بيد أن المخاطر كبيرة للأطراف المعنية كافة، حيث أن إسرائيل ستخسر لو سُحبت خدمات الأونروا، لأن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن إسرائيل، كدولة احتلال، ملزمةٌ قانونًا بتوفير إمدادات الغذاء والطبابة للسكان الخاضعين للاحتلال وضمان صحتهم العامة.
إن سحب الدعم الذي توفره الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة سوف يترك فراغًا ستضطر إسرائيل إلى ملئه، بيد أن سجلها السابق يوحي أنها لن تلتزم بذلك على الأرجح.
يقوم نهج كوشنر على رغبته في القضاء على مطالبات الفلسطينيين بالسيادة والعودة إلى ديارهم – وهو حقٌ مكفولٌ للاجئين في كل أصقاع الأرض.
قضايا الحل النهائي، مثل القدس والمستوطنات واللاجئين، هي قضايا أساسية لإيجاد «حل» تفاوضي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، كما نص عليه قرار الأمم المتحدة رقم 194.
يظل العنصرَ الأكثرَ إثارةً للخلاف والنزاع في إطار الصراع لأنه يتحدى بالأساس المشروعَ الصهيوني لبناء الدولة بحد ذاته – وهو مشروع ٌقائم على بسط السيادة الإسرائيلية اليهودية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
توصيات سياساتية
- ينبغي للناخبين الأميركيين المؤيدين لحقوق الفلسطينيين والمجتمع المدني أن يرفعوا مستوى الوعي حول مشاريع القوانين التي تهدد اللاجئين الفلسطنيين، والعمل مع أعضاء الكونغرس المتزايدة انتقاداتهم والمرتفعة أصواتهم إزاء الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق.
-
ينبغي لهم السعي لضمان صرف الأموال المخصصة لفلسطين ومقاومة محاولات إدارة ترامب للتحايل على القانون. فمثلًا، تحاول الإدارة أن تضع المساعدات المذكورة أعلاه والبالغة 200 مليون دولار ضمن «حزمة إلغاءات» لتفادي صرفها وهي خطوة تقتضي موافقة الكونغرس.
-
ينبغي للناقدين بالكونغرس والمجتمع المدني مراقبة سياسةَ الاستيطان التي تدعمها إدارة ترامب. فنظرا لطريقة «التعامل» مع قضايا الوضع النهائي كالقدس واللاجئين، وعلاقات شخصية واقتصادية وسياسية وثيقة تربط أعضاء بالإدارة الأميركية بالمستوطنات، يحتمل أن شطب قضية المستوطنات من المفاوضات هو التالي على قائمة كوشنر.
-
ينبغي لدول العالم الأخرى أن تستمر في زيادة دعمها المالي والدبلوماسي لـ«أونروا»، إدراكًا للحظة الحاسمة التي تمر بها المنطقة والتبعات الظالمة والقاسية التي ستلحق باللاجئين الفلسطينيين.
- زينة الآغا باحثة بشبكة السياسات الفلسطينية في الاستيطان والقدس وتاريخ الشرق الأوسط الحديث.
المصدر: «الشبكة» – شبكة السياسات الفلسطينية