من سنن الحياة أن لكل شيئآ نهاية ولكل كائن فناء وما بين هذا وذاك توجد الذكريات نسبح فى بحورها نتلمس احداثها ونستنشق عبق الماضى . تداعبنا تارة وتراودنا آخرى وتبكينا احيانآ حينما نعود الى الحياة من حولنا لنجد انفسنا قد وصل بنا القطار منتهاه توقفت عجلاته أمام محطة خريف العمر فنجلس على رصيفها ننتظر الرحيل اواه اواه ما هذه الحياة القاسية التى تغتال اعمارنا ..الامس كنت احبوا وعندما انزاح ستار الليل شق ضوء الفجر ظلمته لفحتنى رياح الخريف الباردة تعانق وجهى وترسم فوق جبينه طريق التهاية وذكريات الماضى . أ تصدقين ؟ ما اسرع الايام فى عمر السنين. اشتاق الى قلبى القديم اهرول بين دروبه لأرتكن الى جدار الماضى ليحمينى من برد الخريف القاسى ورياحه العاتية . انادى عليك وتتعالى صرخاتى فلا اسمع الا صوتآ جهور يعود الى ويسمعنى انت وحدك ولا تبقى الا الذكريات منقوشة على جدران قلبك القديم . فتضعف قوتى ويخر جسدى هزيلآ وتتخبط رأسى فى جدار الماضى وتنهمر الدموع من عينى . لأدرك بأننى اصبحت الآن اسمآ نقش على جدار الذكريات فما كنت ادرك حينها أن خريف الحياة آت وكنت اظن ان حصون قلبى القديم مانعه فهيهات هيهات طفولتى وصباى . هل حقآ الحياة تبدأ من هنا عند الخريف ؟ وهل تعشق القلوب وتحيا بعدما انهكتها الرياح واكمشتها ليالى البرد القاسية ؟ ما اصعب هذه اللحظات التى تمر بعمرك وانت رافعآ راية الاستسلام لها تفعل بك ما تشاء وفى اى وقت تشاء . فلا ربيع ولا صيف الا شتاء الخريف الذى يجعلك أن تتجمل من أجل البقاء والوجود فأذا ما شعر بك البصاصين تربصوا بك وتحالفوا مع الخريف لتسرق منك حتى الذكريات . يا ليتها ما كانت . احيانآ تحمل رياح الخريف شطحاتها لتشعر بأنك مازلت تحبوا ترى القلب القديم بالوانه الخضراء وترى طفلك يمرح ويلهوا بين دروبه ويأخذك ريعان الصبا لتبحث عن الحب من جديد فلا تجد الا قدماك توحلان فى طين طحل بعدما تشعر بأنها قد تلكأت وضعفت قواها فالحب يحتاج الى الفتوة من أجل مصارعته. فتعود من جديد لتلقى بشطحات الخريف بجوارك بجانب الجدار تجالسك وأنت تنظر اليها وعيناك تترقرق بالدمع تحاكيها وتثامرها وتنعيها وتنهرها قائلآ : أتصدقين لقد آتى بك الخريف وها نحن هنا ننتظر الرحيل .
بقلم / سعيد الشربينى