بقلم: فايز سارة
لا يختلف اثنان من متابعي الوضع السوري على قول إن سوريا تمر بأسوأ لحظات تاريخها الطويل. حيث يستمر النظام القائم بقتل السوريين وتشريدهم في كل الأرجاء، إضافة إلى تدمير قدراتهم المادية وإمكانات
بلدهم، تحت سمع وبصر مجتمع دولي لا يمكن تبرير موقفه ولا سيما في المستويين الأخلاقي والإنساني، كما لا يمكن فهم انقسامه إلى فريقين؛ أولهما يدعم النظام في جرائمه مقدما له كل دعم عسكري واقتصادي وسياسي قوي وفعال وصولا إلى حد اندماج بعض أطرافه إلى جانب النظام في قتل السوريين وتدميرهم، وفريق آخر، يدعي مناصرة السوريين، لكنه لا يتجاوز في نصرته تقديم فتات من دعم مرتبك ومتردد وغير فاعل، يطمئن النظام من جهة، ويفتح بوابة يأس وإحباط أمام السوريين من جهة أخرى.
وفي الواقع، فإن مشكلة السوريين اليوم ليست في نظامهم فقط، ولا في سياسات ومواقف المحيط الإقليمي والدولي على اختلافها وتناقضها حول الوضع السوري، بل إضافة إلى ما سبق، فإن بعض جوانب المشكلة حاضر عند السوريين أنفسهم سواء في المستوى الشعبي، أو في صفوف المعارضة وتشكيلاتها، حيث تتزايد الظواهر السلبية وتتدهور السياسات والممارسات، وأغلبها يتناقض مع روح الثورة وشعاراتها، ويكشف تردي وضع المعارضة في بنيتها ودورها وأدائها، من دون أن يستثنى مما سبق الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهو الأبرز في تشكيلات المعارضة من حيث التمثيل، وبفعل الاعتراف الإقليمي والدولي به، وكلاهما لم يمنع ترديات أوضاعه، التي بدت وكأنها محط إجماع كثيرين في الفترة الأخيرة.
وإذا كانت فكرة معالجة أوضاع الائتلاف، حازت اهتمام غالبية متابعي الوضع السوري رغبة أو تأييدا، فإن تلك الفكرة كانت محور اهتمام قوى وشخصيات داخل المعارضة السورية، مما طرح فكرة التوسعة باعتبارها طريقة لمعالجة واقع الائتلاف بضم الكثير من الشخصيات السياسية وشخصيات من الحراك الشعبي وممثلين عن هيئة أركان الجيش الحر، ولم يكن هدف التوسعة زيادة عدد المشاركين في الائتلاف، وإنما إحداث تبدلات في واقع الائتلاف وتوجهاته، وهو ما يتناول ثلاث قضايا مفصلية، هي بمثابة ضرورات لا بد منها:
الأولى، وضع برنامج عمل سياسي للائتلاف خاصة وللمعارضة السورية عامة، يحدد المسارات والأهداف التي يسير الائتلاف عليها من أجل متابعة أوضاع الشعب السوري في الداخل والمهجر ومنها العمل على توحيد التشكيلات العسكرية وتحسين قدراتها ومستويات أدائها، وتعزيز صمود السوريين في مواجهة النظام، والعمل على انتصار ثورة الشعب السوري وتحقيق أهدافها في تغيير النظام وإقامة نظام ديمقراطي تعددي، يحقق العدالة والمساواة لكل السوريين.
والثانية، إجراء تغييرات تنظيمية – إدارية في طبيعة البناء الهيكلي للائتلاف، وعلاقاته، وبما يتناسب مع المهمات المطروحة، وهذا سوف يتطلب تغييرات في بنية الائتلاف وسير العمل داخله ومنه النظام الداخلي الذي يفترض أنه يحدد طبيعة العلاقات داخل الائتلاف والعلاقة مع المحيط في ضوء التجربة الماضية ونتائجها.
والثالثة، رسم مسار التعامل مع القضايا الطارئة ومنها موضوع مؤتمر جنيف 2 الذي يمثل تحديا حقيقيا للائتلاف الوطني، ليس من خلال التطلع إلى ما يمكن أن ينتج عن جنيف 2 من نتائج، فهذا أمر لن يكون للائتلاف دور كبير فيه، وإنما من خلال الخطوات التي يقوم بها الائتلاف وصولا إلى المؤتمر إذا انعقد، والتي ستشمل رسم استراتيجية تفاوض، تعبر عن رؤية إجمالية للأزمة في سوريا وكيفية الخروج منها، كما تتضمن الخطوات تشكيل وفد واحد للمعارضة بما يتجاوز صراعات أطرافها، ويحولهم إلى قوة تفاوض واحدة رغم اختلافاتهم.
إن إخراج الائتلاف ومجمل حركة المعارضة السورية من إشكالاتها، وتحقيق إصلاح جذري فيها من النواحي السياسية والتنظيمية والإجرائية، يشكل عبئا كبيرا على الائتلاف في المرحلة الراهنة، لكنه يبقى في إطار الضرورات القصوى التي لا يمكن الحيدان عنها، وهذا يتطلب من الائتلاف التقدم للمباشرة بما هو مطلوب، وليس التأخير والمماطلة على نحو ما يحدث في حركة الائتلاف بعد التوسعة.