باتت المقاومة في الضفة الغربية طرفا فاعلا ومؤثرا، ولم يعد بالإمكان تجاهلها، ويتوقع أن تزداد أهميتها وتأثيرها في رسم ملامح المستقبل هناك.
العمل المسلح لم يعد يقتصر على مواجهة الاقتحامات التي ينفذها جيش الاحتلال في المدن والقرى، كما لم تعد محددة ببقعة جغرافية محددة في نابلس وجنين.
المقاومة بالضفة الغربية لا يمكن وقفها أو تجاهلها، فهي الخيار المتولد عن دينامية الاحتلال وطبيعته الإحلالية؛ لا مفر ولا مهرب منها، فهي صيرورة بحد ذاتها.
تحولات بواقع العلاقة التفاعلية بين الاحتلال والفلسطينيين خلال الشهور الفائتة بالضفة الغربية تؤكد أن الخريطة الميدانية متحركة وتفاعلية لا تحكمها ضوابط السلطة برام الله أو قوات الاحتلال.
* * *
بقلم: حازم عياد
التصعيد الإسرائيلي وتواصل الفعل المقاوم بات سمة أساسية لواقع الضفة الغربية ويومياتها؛ تغذيه عوامل ميدانية:
أولاً: الاقتحامات التي ينفذها جيش الاحتلال في المدن والبلدات الفلسطينية.
ثانياً: تصعيد الأسرى في سجون الاحتلال لاحتجاجاتهم في مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية في السجون، خصوصاً بعد عملية سجن جلبوع؛ تصعيد وجد طريقه إلى الشارع الفلسطيني والميدان على الأرض، مُشعِلاً جولة المواجهة الاخيرة مع قطاع غزة بعد اعتقال بسام السعدي، وتفاقم إشكالية المضربين عن الطعام.
ثالثاً: تصاعد الانتهاكات التي يمارسها المستوطنون في القدس والبلدات الفلسطينية؛ التي ارتقى فيها شهداء وجرحى أكثر من مرة، هجمات غذّتها الحملات الانتخابية المتكررة، وعمليات إعداد قوائم المرشحين لانتخابات الكنيست الاسرائيلي التي تنافس فيها المتطرفون في عرض بضاعتهم في كل مرة يقترب فيها موعد الانتخابات.
رغم أن الانتهاكات الاسرائيلية منتج طبيعي للاحتلال وروتين يومي؛ إلا أنه بات يواجه مقاومة متصاعدة لم تمنعها سياسة التنسيق الامني أو جهود الاحتواء الاقتصادي والعقاب الجماعي، إذ كشفت الإحصاءات عن 25 عملا مقاوما مسلحا في الضفة الغربية خلال الأسبوع الأخير؛ شملت إطلاق النار على الحواجز الأمنية، وإلقاء عبوات ناسفة (أكواع) على قوات الاحتلال وأماكن تجمعها.
العمل المسلح لم يعد يقتصر على مواجهة الاقتحامات التي ينفذها جيش الاحتلال في المدن والقرى، كما لم تعد محددة ببقعة جغرافية محددة في نابلس وجنين.
مساحة المواجهة تتسع من طولكرم وقلقيلية إلى بيت لحم والخليل جنوباً، وإن كانت بوتيرة أقل، إلا أنها تنزع نحو الاتساع، خصوصاً بعد أن وضعت خلية سلواد بمحافظة رام الله على رادار الشاباك الاسرائيلي.
لم تعد قوات الاحتلال تنعم بالراحة ليلاً أو نهاراً، فهي مستنفرة قلقة من استهدافها على الحواجز ومن مواجهتها عند الاقتحامات؛ لم يعد عملها سهلاً، وأصبح انتشارها أوسع، مقروناً بمخاوف من انتقال المواجهات إلى أراضي الـ48 بين الحين والآخر.
الكثير من التحولات أمكن رصدها في واقع العلاقة التفاعلية بين الاحتلال والفلسطينيين خلال الشهور التسع الفائتة في الضفة الغربية؛ تؤكد أن الخريطة الميدانية باتت متحركة وتفاعلية، لا تحكمها ضوابط ثابتة تحددها السلطة في رام الله أو قوات الاحتلال، فالمقاومة في الضفة الغربية باتت طرفا فاعلا ومؤثرا، ولم يعد بالإمكان تجاهلها، ويتوقع أن تزداد أهميتها وتأثيرها في رسم ملامح المستقبل في الضفة الغربية.
تهديدٌ وخَطَرٌ سعى الاحتلال إلى إبعاده من خلال سياسة الاعتقالات والإعدامات الميدانية، ذات السياسة التي تغذي المقاومة في الضفة الغربية، صانعةً بذلك صيرورة يتوقع أن يتم تأطيرها سياسيا وفكريا وميدانيا؛ لتصبح لاعباً مؤثراً في المعادلة التي يحاول الاحتلال فرضها، سواء عبر القمع، أو عبر الهيمنة الاقتصادية والسياسية على السلطة في رام الله والضفة الغربية.
ختاماً.. المقاومة في الضفة الغربية لا يمكن وقفها أو تجاهلها، فهي الخيار المتولد عن دينامية الاحتلال وطبيعته الإحلالية؛ لا مفر ولا مهرب منها، فهي صيرورة بحد ذاتها، حقيقة أكدتها الإحصاءات الرياضية، مستبقة هذه المرة عمليات الاستقراء التاريخي والفلسفي، فالمقاومة واقع ميداني تطبيقي؛ قبل أن تكون واقعاً فلسفياً تاريخياً.
* حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر: السبيل – عمان
موضوعات تهمك: