شبكة عالمية من اليمين المتطرف عابرة للحدود تؤمن بالأفكار ذاتها وتسعى للهيمنة على العالم الغربى!
ما تأثير حرب أوكرانيا على مقدرات الشبكة فالحرب أدت لتصدعها لأن روسيا «البيضاء» لها مكانة مهمة فى إطار أفكار العنصرية؟
يسلم اليسار القطاعات المضارة لليمين، عبر التخلى عن قضاياها للفوز بالانتخابات، فتكون النتيجة تصويت تلك القوى لليمين المتطرف.
شبكة عالمية تؤمن بأفكار عنصرية مخيفة وتسعى لوأد الديمقراطيات الغربية إذا ما وقفت فى طريق صعودها ثم بقائها فى سدة الحكم.
تعلق هذه الشبكة مظالم الفقراء على شماعة المهاجرين باعتبارهم «يسرقون الوظائف والمستفيدين» من برامج اجتماعية «يفترض» أن توجه للطبقات المضارة!
عنصرية تقوم على نفى الآخر المختلف عرقيًا وإثنيًا ودينيًا بل ومذهبيًا، فالغاية «حماية مجتمع البيض المسيحيين» من كل ما هو ليس كذلك، بما فى ذلك مسيحيو الشرق!
يتلاعب خطاب اليمين بمظالم فئات أضيرت بسياسات نيوليبرالية ترفع يد الدولة بالكامل عن الاقتصاد وتتخلى عن تمويل برامج اجتماعية تسد رمق الطبقات المتوسطة والفقيرة.
* * *
بقلم: د. منار الشوربجي
يستحيل فهم المغزى وراء صعود اليمين المتطرف بإيطاليا بمعزل عما يدور فى أوروبا بل والولايات المتحدة. فنحن إزاء شبكة عالمية عابرة للحدود تؤمن بالأفكار ذاتها وتسعى للهيمنة على العالم الغربى.
وهى شبكة لا توجد مبالغة فى وصفها بأنها تؤمن بأفكار عنصرية مخيفة وتسعى لوأد الديمقراطيات الغربية إذا ما وقفت فى طريق صعودها ثم بقائها فى سدة الحكم. وهى عنصرية تقوم على نفى الآخر المختلف عرقيًا وإثنيًا ودينيًا بل ومذهبيًا، فالمطلوب هو «حماية مجتمع البيض المسيحيين» من كل من هو ليس كذلك، بمن فى ذلك مسيحيو الشرق!
فى الانتخابات البرلمانية التى جرت مؤخرًا بالسويد، احتل حزب اليمين المتطرف المرتبة الثانية، وفى إيطاليا ستشكل الحكومة زعيمة حزب أقصى اليمين، جورجيا ميلونى، مع حزبين من اليمين يتزعمهما سيلفيو بيرلسكونى وماتيو سالفينى.
وحين تفوقت ميلونى بالانتخابات كان أول المرحبين بالخبر هو حزب اليمين المتطرف الحاكم فى بولندا، وتبعته زعيمة أقصى اليمين الفرنسى مارين لوبان التى حققت صعودًا مدويًا بفرنسا منذ شهور قليلة.
أما الرئيس المجرى فيكتور أوربان فهو بمثابة بطل يَحتفى به تيار ترامب بالولايات المتحدة، وهو ألقى خطابًا فى مؤتمر مهم لليمين الأمريكي بدالاس فى أغسطس الماضى، بينما زار ترامب المجر فى فبراير دعمًا لأوربان فى الانتخابات هناك.
وترتكز تلك الشبكة على خطاب يستخدم فى الانتخابات مفردات ذات دلالات عنصرية لا تخطئها العين ولكنها تُصاغ على نحو يمكنه اجتذاب قطاعات واسعة.
فهو يلعب على مظالم حقيقية لدى فئات أضيرت بفعل سياسات نيوليبرالية هى باختصار رفع يد الدولة بالكامل عن الاقتصاد بما يعنيه ذلك من التخلى عن دورها فى تمويل البرامج الاجتماعية التى تسد رمق الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وهى السياسات البائسة التى أدت لاتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء فى أمريكا وأوروبا. لكن تلك الشبكة، التى تؤمن بتلك السياسات نفسها ولا تنوى تغييرها بالمناسبة، تستغل تلك الأوضاع وبدلا من توجيه أصابع الاتهام للمسؤول عنها، فإنها تعلقها على شماعة المهاجرين باعتبارهم «يسرقون الوظائف والمستفيدين» من البرامج الاجتماعية «التى كان يفترض» أن توجه للطبقات المضارة!
لذلك لم تكن مصادفة أن تكون قضيتا الهجرة والبطالة على رأس القضايا الانتخابية لحزبى اليمين المتطرف فى كل من إيطاليا والسويد. والتحول الأهم هو أن نسبة ضخمة من الشباب فى أوروبا وأمريكا تستجيب لذلك الخطاب، بل ولا تمانع وصول النازية والفاشية للحكم. ويساعد على ذلك بؤس مواقف اليسار فى تلك البلدان.
فهو فى معركته ضد اليمين يسعى اليسار لتحييد القضايا الاقتصادية لئلا تستخدم ضده عبر المزايدة عليه باتخاذ المواقف نفسها! بعبارة أخرى، يسلم اليسار لليمين القطاعات المضارة، عبر التخلى عن قضاياها للفوز فى الانتخابات، فتكون النتيجة تصويت تلك القوى لليمين المتطرف.
غير أن السؤال الأكثر أهمية بخصوص تلك الشبكة يتعلق بتأثير حرب أوكرانيا على مقدراتها. فالحرب أدت لتصدع تلك الشبكة لأن روسيا «البيضاء» لها مكانة مهمة فى إطار أفكار العنصرية.
ومن هنا، رفضت بعض رموز تلك الشبكة، وعلى رأسهم فيكتور أوربان ومعه سالفينى، إدانة روسيا والعقوبات الأوروبية ضدها، بينما حصلت أوكرانيا على دعم أحزاب أخرى، مثل الحزب البولندى الحاكم وحزب ميلوني. أما ترامب فقال إنه وحده القادر على قيادة الوساطة بين الطرفين.
لذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت تلك الانقسامات فى أوساط تلك الشبكة مرشحة للاستمرار أم أن أطرافها قادرة على رأب الصدع واستكمال مسيرتها المخيفة للسيطرة على العالم.
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر: المصري اليوم – القاهرة
موضوعات تهمك: