زادت الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل كبير من احتمالية حدوث تضخم جامح أو انتكاسة اقتصادية أخرى أو كليهما في أوروبا.
تظل روسيا مورداً مهماً للنفط والغاز الطبيعي والمعادن والمؤكد أن ارتفاع أسعار هذه السلع سيلحق أضراراً اقتصادية في جميع أنحاء العالم.
العقوبات الاقتصادية التي أطلقها الغرب لن تؤدي فقط لكارثة اقتصادية لروسيا بل تهدد تداعياتها أيضاً الاقتصاد العالمي ككل، وتهز الأسواق المالية.
يتوقع أن يعاني الاقتصاد الروسي انكماشاً مزدوج الرقم هذا العام، أسوأ حتى من الانخفاض بنسبة 7.8% الذي طاله في 2009، عام الركود العظيم.
حتى قبل دخول القوات الروسية أوكرانيا كان الاقتصاد العالمي يئن تحت مجموعة أعباء، بينها ارتفاع التضخم، وسلاسل التوريد المتشابكة، وهبوط أسعار الأسهم.
ستفاقم صدمة أسعار الغاز التضخم في الحاجات الرئيسية وفواتير الخدمات العامة أي أموال أقل بحوزة الأسر لإنفاقها، وآمال متضائلة في زيادة الإنفاق الاستهلاكي.
* * *
العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا، وما رافقها من رد فعل مالي عنيف أطلقه الغرب لن يؤدي فقط إلى كارثة اقتصادية على موسكو، ولكن تداعياتها تهدد أيضاً الاقتصاد العالمي ككل، وتهز الأسواق المالية، وتجعل الحياة أكثر خطورة على الجميع، من العمال المهاجرين إلى المستهلكين الأوروبيين والأمريكيين مروراً بالعائلات الجائعة.
حتى قبل دخول قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا، كان الاقتصاد العالمي يئن تحت ضغوط مجموعة من الأعباء، من بينها ارتفاع التضخم، وسلاسل التوريد المتشابكة، وهبوط أسعار الأسهم.
وضاعفت الأزمة الراهنة كل ذلك وعقّدت الحلول المحتملة. وقال كلاي لوري، نائب الرئيس التنفيذي في معهد التمويل الدولي: «نحن في الواقع في منطقة مجهولة، ونعلم أن هناك عواقب لا يمكن التنبؤ بها».
في الوقت الحالي على الأقل، لا يبدو الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي عموماً كبير نسبياً، وذلك فقط لأن روسيا وأوكرانيا ليستا قوتين اقتصاديتين بمستوى الخمسة الكبار عالمياً.
فهما يمثلان معاً أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يأتي معظمه من أهميتهما كمصدّرين للطاقة والمعادن النفيسة والقمح وبعض السلع الأخرى.
وجلّ الاقتصادات الكبرى لديها انكشاف تجاري محدود على روسيا، وبالنسبة للولايات المتحدة، يمثل ذلك فقط 0.5% من إجمالي التجارة. و2.4% بالنسبة للصين.
لكن مع ذلك، تظل روسيا مورداً مهماً للغاية للنفط والغاز الطبيعي والمعادن، ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار هذه السلع سيلحق أضراراً اقتصادية في جميع أنحاء العالم.
إذ تعتمد أوروبا على روسيا فيما يقرب من 40% من غازها الطبيعي، و25% من نفطها. وبالنسبة للقارة العجوز، زادت الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل كبير من احتمالية حدوث تضخم جامح أو انتكاسة اقتصادية أخرى أو كليهما.
وبسبب غضبها من عملية بوتين العسكرية، استهدفت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى روسيا، وذلك عبر فرض عقوبات شديدة ومتّسعة وغير مسبوقة على اقتصادها الرئيسي.
فطردوا البنوك الروسية الكبرى من نظام الدفع الدولي «سويفت»، وحدّوا صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى روسيا، وقيّدوا بإحكام استخدام موسكو لاحتياطها من العملات الأجنبية.
ويبدو أن الانتقام الدولي السريع والموحد هذا قد فاجأ الكرملين، وسرعان ما بانت الأضرار التي خلّفتها تلك العقوبات. فانخفض الروبل الروسي إلى مستوى قياسي، واصطف عملاء البنوك عند أجهزة الصراف الآلي في محاولة لسحب أموالهم من النظام المصرفي المحاصر بسبب انقطاعهم عن «غوغل باي» و«أبل باي»، كما علق الروس في أكشاك بيع التذاكر داخل محطات القطارات ومترو الأنفاق.
ويتوقع معهد التمويل الدولي أن يعاني الاقتصاد الروسي انكماشاً مزدوج الرقم هذا العام، أسوأ حتى من الانخفاض بنسبة 7.8% الذي طاله في 2009، عام الركود العظيم.
في ظل اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، فإن اقتصاد أوروبا معرض للخطر بشكل خاص. فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 20% بعد بدء الحرب، ناهيك عن الزيادات السابقة التي تضاعفت ستة مرات عما كانت عليه مطلع العام الماضي.
وستؤدي صدمة أسعار الغاز إلى زيادة التضخم في الحاجات الرئيسية وفي فواتير الخدمات العامة، والنتيجة أموال أقل بحوزة الأسر لإنفاقها، وآمال متضائلة في زيادة الإنفاق الاستهلاكي خصوصاً بعد تخفيف قيود كوفيد.
وتُسهم أسعار الغاز المرتفعة فيما يسميه الاقتصاديون «تدمير الطلب» بين المؤسسات الصناعية، مثل صانعي الأسمدة، الذين يستخدمون كميات كبيرة من الغاز مقابل إنتاج قليل ومبالغ أكبر يدفعها المزارعون.
وسيواجه الاقتصاد الألماني، الذي تراجع بنسبة 0.7% خلال الربع الرابع من العام الماضي، ركوداً «تقنياً» إذا انكمش مرة أخرى في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
وحده الإنفاق الدفاعي الألماني، رداً على العملية العسكرية الروسية، قد يعوض التراجع الاقتصادي للبلاد. حيث قال المستشار أولاف شولتز إن الحكومة ستلتزم بمبلغ 100 مليار يورو لصندوق خاص لقواتها المسلحة، وستزيد الإنفاق الدفاعي فوق 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال هولغر شميدنغ كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج: «قد يؤدي ارتفاع الأسعار وتأثير الثقة السلبي إلى انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في منطقة اليورو من 4.3% إلى 3.7% لعام 2022».
لقد أدى التعافي العالمي القوي وغير المتوقع من الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا إلى تدافع الشركات للعثور على ما يكفي من المواد الخام والمكونات لإنتاج السلع، تلبية لطلب العملاء المتزايد. وتسبب الاكتظاظ في المصانع والموانئ وأرصفة الشحن بحدوث نقص وتأخير في العمليات وارتفاع في الأسعار.
كما يمكن أن تؤدي الاضطرابات في الصناعات الروسية والأوكرانية إلى تأخير أي عودة إلى الظروف الطبيعية. فالدولتان معاً تنتجان، على سبيل المثال، 70% من احتياجات العالم لغاز «نيون» الصناعي المستخدم في صناعة أشباه الموصلات.
وهو أمر مقلق على وجه الخصوص لأن العالم وشركات صناعة السيارات تحديداً يعانون بالفعل نقصاً في رقائق الكمبيوتر. وعندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا قبل ثماني سنوات، ارتفعت أسعار النيون بنسبة 600%، على الرغم من تخزين صانعي الرقائق للمادة وبحثهم عن بدائل للإمدادات الروسية.
وتوفر كل من روسيا وأوكرانيا للعالم معاً 13% من التيتانيوم المستخدم في تصنيع طائرات الركاب، و30% من البلاديوم المستخدم في السيارات والهواتف المحمولة وحشوات الأسنان.
وتعتبر روسيا أيضاً منتجاً رئيسياً للنيكل المستخدم بكثافة في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية والصلب. لذلك يعتبر خبراء في القطاع أنه إذا استمرت الأزمة العسكرية والجيوسياسية الحالية لفترة أطول، قد يكون من المستحيل على سلاسل التوريد اللحاق بالركب.
* بول وايزمان وديفيد ماكهيو خبيران اقتصاديان أمريكيان.
المصدر| أسوشيتد برس
موضوعات تهمك: