في إحدى السفارات السورية، ومن وراء الزجاج اشتد النقاش بين أحد المواطنين السوريين وموظف السفارة، والشجار لم يكن منبعه تقصير الموظف في أداء عمله، أو تشنج المواطن بسبب ازدحام صور الرئيس السوري على الجدران، ولا كان سبب التوتر صوت التلفزيون السوري الذي يكاد يصم الآذان مع صوت المذيعة الهادر كمن يقرأ بياناً عسكرياً.
التوتر حدث ببساطة لأن الشاب وللمرة الخامسة على التوالي يأتي إلى سفارة بلاده التي من المفروض أن تسهل له أوراقه وتحركاته وتيسر أموره لاستخراج ورقة رسمية روتينية، ولكن الموظف تعامل مع الموضوع وفقاً للقانون مما حوله إلى رجل آلي بنظر الشاب، فالموظف يطلب ورقة رسمية مصدرها حمص، والشاب يعيد نفس الحكاية التي كان من الواضح أنه ملَّ من تكرارها: “أنا من حمص، وحمص اختفت من الخريطة، فقد قصفت والناس إما ماتوا أو هربوا، ولا مباني حكومية في حمص، ولا أوراق رسمية لي لأن منزلي في بناية أسقطها القصف قبل أيام، أهلي هربوا للسعودية وأنا أصبحت شبه مسجون بلا أوراق رسمية”.
لا أدري إن كان النظام السوري يفكر حالياً في حل مشاكل شباب الاغتراب، وربما تبدو فكرة خيالية أن يطالب ذلك الشاب سفارته بإعطائه ورقة رسمية في ظل الأزمة التي تعيش بها سوريا، ولم يفده في إقناع الموظف أن يشرح له ما حدث ويحدث في حمص، فالموظف يعرف والمواطن يعرف والسفير يعرف، ولكن المعرفة لم تكن في يوم من الأيام حلاً.
تعاني حمص وبقية المدن المنتفضة من أزمة الأوراق الرسمية، والتي بدأت في دمشق بمضايقات يتلقاها الحمصي والدرعاوي والحموي وربما الديري أينما ذهب في الدوائر الحكومية في العاصمة، وإن كان موظف السفارة تعامل بلطف مع الشاب، فإن موظفي دمشق يبدؤون بالسخرية منه ولا ينتهون بإلقاء التهم يميناً وشمالاً واستعمال الكلمات المسيئة.
نفس المشكلة تتكرر في دول الاغتراب، مع فارق أن الشخص في هذه الحالة سيقع في مأزق أكبر من أن يسمع تهمة بانتمائه للعرعور، أو كلمة قاسية تذكره بأن نظامه لا يتعامل معه على أسس إنسانية، إنما سينتهي به الأمر بمخالفة قوانين الدولة التي يعيش ويعمل بها، وما لم يقتنع موظف بلده فلن يسمعه موظف بلد آخر.
لتكن مواطنا سوريا يجب أن تكون حاملاً للجنسية السورية، ولكن حمل الجنسية لا يعني أن الدولة السورية معترفة بك.