هل يطلب الروس الأموال لإعادة إعمار البيوت التي دمّرتها طائراتهم على رؤوس ساكنيها وحجب جرائمهم ضد الآمنين؟!
أي حكومة ستقوم بالإصلاح: حكومة مجرم قتل مليوناً من السوريين وشقّهم إلى معسكرين يبيد أحدهما الآخر أم حكومة انتقال ديمقراطي ألزمتها وثيقة جنيف بإصدار دستور دولتها العتيدة؟
بقلم: ميشيل كيلو
يبحث الروس عن دعم مالي غربي وخليجي لإعادة الإعمار في سورية. ويقفزون ببحثهم عن الاشتراطات التي وضعها الغرب لتقديم عونه المالي، وتتوقف على نوع الحل السياسي الذي تريد موسكو الوصول إليه، ويرجّح أن يكون بدون بشار الأسد، فإن لم يرحل، في بدايته، كان رحيله مسألةً لا يجوز أن تكون بدون ثمن يدفعه نظامه قبل رحيله هو عام 2021.
هل يطلب الروس الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، لأنهم توصلوا إلى تفاهم مع أميركا حول الحل، ويريدون كسب الوقت للبدء بإعادة إعمار البيوت التي دمّرتها طائراتهم على رؤوس ساكنيها، ولحجب حجم جرائمهم ضد الآمنين؟!
أم أنهم قرّروا إعادة الإعمار التزاماً بسياساتهم التي انتهكت القرارات الدولية بشأن الحل الذي أقرّته وثيقة جنيف، وقرارَي مجلس الأمن 2118 و2245، وحرفته نحو مساراتٍ لم تقرّرها توافقات دولية، أو تقرّها منظمة الأمم المتحدة.
فقد ألغت “الهيئة الحاكمة الانتقالية والانتقال الديمقراطي”، لأن تأسيس الأولى والشروع بالثاني يطيحان الأسدية أشخاصاً ونظاماً، وكي لا يحدث هذا، شنّت حرباً قوّضت القانون الدولي والإنساني.
استخدمت فيها أسلحة فتاكة وممنوعة دولياً ضد ملايين الآمنين، بعد أن رتّبت غزواً بالاتفاق مع بشار الأسد من النمط الاستعماري الصرف، سوّغته بطلبٍ مزعوم من رئيس مزعوم، فقد شرعيته بجميع معايير الوطنية والدستورية.
وذلك بما ارتكبه من جرائم جماعية ضد مصدر شرعية أي حاكم أو دولة: شعب سورية المضطهد الذي استحقّ الإبادة بسلاح موسكو، لأنه طالب بحريته بعد استعباد سياسي دام قرابة ستة عقود.
هل ستتقيد روسيا برؤيتها التي عمّمتها بشأن رغبتها في إخراج الشعوب من أوضاع تستوجب الثورات، من خلال إصلاحات تقوم بها الحكومات؟
وأي حكومة هي التي ستقوم بالإصلاح، في حال صدّقنا الروس وتحقق إصلاح، هل هي حكومة المجرم الذي قتل مليوناً من السوريين، وشقّهم إلى معسكرين، وظيفة أحدهما إبادة الآخر؟
أم هي حكومة الانتقال الديمقراطي التي ألزمتها وثيقة جنيف بإصدار دستور يرسم ملامح دولته العتيدة؟
أم هي أخيراً الحكومة التي ستنفذ التزامات الأسدية بوضع سورية تحت إشرافهم وإلحاقها بهم، وإن لم يكن الأسد في مقدمتها؟
إذا كان المعيار الذي سيعتمده الروس هو القرار الأممي رقم 2254 الذي يعتبرونه مرجعية الحل الوحيدة، فإنه سيكون عليهم قبول حكومةٍ لا تتبع لهم وسترحلهم من سورية، سيطيح الإصلاح الذي ستنجزه بالأسدية نظاماً وعصابات. هذه الحكومة هي التي ستتولى إعمار وطنها بقوة القرارات الدولية التي يُستبعد أن يكون لموسكو أي إسهام جدّي فيه.
ماذا سيختار الكرملين لمواجهة ورطة خصمه فيها ليس المعارضة السورية المتهالكة، بل واشنطن، لا هم لرئيسها غير سلب أموال الدول الأخرى أموالها؟!
هل سيلجأ الرئيس بوتين إلى الخطة التي اعتمدها بعد عام 2012، وخلط بواسطتها الأوراق والأولويات، وتلاعب بقرارات المجتمع الدولي؟
وهل سينجح اليوم أيضاً في إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار على الحل الذي يفترض أن يسبقها، في محاولة لاستغلال رغبة السوريين في العودة إلى وطنهم، كي يطبع أوضاع نظامهم القاتل دولياً، ويبتزّ العالم مالياً، ويتهرّب من مسؤوليات السلام، بعد أن تقيّد سبعة أعوام بالتزامات الحرب ضد من هدم بيوتهم.
تطرح موسكو قضايا ما بعد السلام كأنها قضايا روسية، وليست سورية أو تعني السوريين. في هذه الأثناء، يرجوها ربيبها الذي تبدي احتقارها له في كل لقاءٍ يجمعه بـ”قيصرها”، أن تحتلّ سورية فترة غير محدّدة، لإيمانه بأن بقاءه يتوقف على بقائها قوة احتلال فيها، بعد أن ذبح نفسه باليد الآثمة التي ذبح شعبه بها.
- ميشيل كيلو كاتب سوري معارض عضو الائتلاف الوطني.
المصدر: العربي الجديد