بقلم: أمير طاهري
في الوقت الذي تتصاعد فيه دوامة العنف في سوريا، هناك سؤال يستحق أن نفكر فيه بجدية: فبعيدا عن كونه جزءا من حل ممكن، ألا يعد الرئيس بشار ال أسد إحدى المشكلات الجوهرية في سوريا الآن؟
فحتى روسيا بدأت في إعادة النظر في دعمها لهذا الطاغية؛ حيث تؤكد حساباتها أن فرص الأسد في البقاء في السلطة تبدو قليلة. وفي اجتماع جنيف في الأسبوع الماضي حول سوريا، ترك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الباب مفتوحا أمام إمكانية استبعاد الأسد من عملية التحول في البلاد.
ربما فكرت روسيا أيضا في القوة الموازنة التي بدأت في الظهور بمنطقة الشرق الأوسط مع انتخاب مصر للرئيس الجديد محمد مرسي، والذي انضم إلى تكتل الدول العربية التي تدعم الثورة في سوريا، مما ترك الأسد من دون أي حليف إقليمي، ما عدا طهران.
وعلى الرغم من ذلك، فالمشكلة مع الأسد تتجاوز الاعتبارات السياسية بكثير؛ حيث يبدو أن الأسد يفقد التواصل مع الواقع ويقوم بنسج عالم بديل من خياله الخاص، مما يجعله سجينا لهذا البيت الواهن من خيوط العنكبوت التي نسجتها أوهامه.
كان من الجدير بلافروف سؤال مستشاريه الذين يتحدثون العربية أن يقوموا بتحليل المقابلة التي أجرتها القناة الرابعة في التلفزيون الحكومي الإيراني مع الأسد في الأسبوع الماضي؛ حيث يجد المرء شخصا مستنزفا من الناحية العاطفية لا تربطه أي صلة بما يحدث في العالم الحقيقي، رجلا يتشبث بأوهامه الخاصة، لدرجة يبدو معها أنه ليس لديه أي رغبة في معرفة الأوضاع الحقيقية.
ينبغي على لافروف التفكير مليا في سؤال بسيط: هل يتسنى لرجل لا يعرف حتى ما هي المشكلة أن يشارك في حلها؟ ومن دون أي مبالغات خطابية، فإن نظرة الأسد إلى الموقف قد تكون كالتالي: منذ أكثر من عقد من الزمان، في الوقت نفسه الذي خلف فيه الأسد والده تقريبا، بدأت الولايات المتحدة في تسويق مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، ثم قام الأسد بإطلاق «عملية الإصلاح» الخاصة به، والتي جاءت متوافقة مع روح العصر، إن جاز التعبير.
وعلى الرغم من ذلك، ولأسباب غير محددة، أدى وقوع بعض الأحداث الأخرى، مثل الانتفاضة الفلسطينية وهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة والغزو الأميركي للعراق، إلى إبطاء وتيرة «عملية الإصلاح» الخاصة بالأسد. ولكن فيما عدا ذلك، استمر الأسد في القيام بالأشياء التي كان ينبغي عليه القيام بها، مثل سحب جيشه من لبنان، حتى جاءت الحرب التي شنتها إسرائيل على الوجود الإيراني المسلح في جنوب لبنان (حزب الله) في عام 2006، ثم تبعتها الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2009.
وعلى نحو مفاجئ، أدرك الأسد أن ما يريده الأميركيون لم يكن الإصلاح وإنما الإطاحة به من السلطة؛ حيث إنه قد قام بكل ما في استطاعته لإرضائهم ولكنه فشل في ذلك.
يكمن السبب الحقيقي في ذلك – حسب الأسد – في وقوف الولايات المتحدة ، مدفوعة من «طبيعتها الاستعمارية»، ضد الأسد بسبب دعمه لـ«المقاومة». ولم يخبرنا الأسد ماذا يعني بكلمة «المقاومة»؟.. أو من يقاوم من ولأي سبب؟.. ولكنه يصر على أنه البطل الحقيقي لهذه المقاومة.
يعد دعمه لـ«المقاومة» أحد أسباب ثلاثة وراء تحدي «القوى الاستعمارية» لنظام حكمه؛ حيث يتمثل السبب الثاني في «الموقع الجيوسياسي» لسوريا. يقول الأسد، بنبرة أشبه بمعلمي المدارس، إن سوريا «تقع على الصفائح التكتونية الموجودة في الشرق الأوسط»، وأن أي تغيير يحدث هناك سوف يرسل بالموجات إلى شتى أنحاء الإقليم، ولكن الأسد لم يقل لماذا قد يرغب أي شخص في تنشيط هذه «الصفائح التكتونية»؟
أما السبب الآخر في المشكلات التي يتعرض لها الأسد فهو دعمه للبرنامج النووي الإيراني، على الرغم من أنه لم يخبرنا، للمرة الثانية، بالنفع الذي سيعود عليه في حال تمكن أتباع الخميني من امتلاك القنبلة النووية.
هل الأزمة الحالية التي تواجهها سوريا تعزى فقط للعوامل الخارجية؟
اعترف الأسد على مضض بأن الأمر ليس كذلك، ولكنه على الرغم من ذلك، يؤكد أن الأسباب الداخلية لهذه الأزمة تعد ثانوية.
وفي إجابة كوميدية، ادعى الأسد أن معارضيه في سوريا «يصل عددهم إلى 64.000 شخص» فقط في بلد يصل عدد سكانه إلى 22 مليون نسمة. ولكن من أين حصل الأسد على هذا الرقم المحدد؟ هل كان لديه إحصاء للمعارضين في سوريا؟ ولماذا لم يكن الرقم 64.123 أو حتى 65.000؟
إذن، من هؤلاء الناس التي تقوم قواته بقتلهم بصورة يومية؟ كان جواب الأسد قاطعا: «إنهم عبارة عن أعضاء في تنظيم القاعدة فضلا عن مجموعة صغيرة من المجرمين الذين يعملون من أجل المال». وبعبارة أخرى، فلا توجد أي مشكلة سياسية في سوريا من وجهة نظر الأسد؛ حيث إن ما تواجهه سوريا ما هو إلا مشكلة أمنية يمكن حلها فقط عن طريق «القضاء على الإرهابيين».
يقول الأسد: «من واجبنا قتل الإرهابيين»، مضيفا: «مع كل إرهابي نقتله، ننقذ حياة العشرات والمئات بل الآلاف من الناس». يمكن وصف فلسفة الأسد ببساطة بأنها الاستمرار في الحكم عن طريق القيام بالمزيد من المذابح، فليس هناك حاجة للمفاوضات أو التسويات أو التحول أو الانتخابات أو غيرها من الأمور، فقط الاستمرار في القتل.
ولكن من هو الإرهابي؟ الإرهابي هو أي شخص قتل على أيدي كتائب الموت الخاصة بالأسد، التي تدعى «الشبيحة». وبعد كل هذا، يضيف الأسد على الفور بأنه دعم «خطة السلام» الخاصة بأنان، وأنه أمر بوقف إطلاق النار، ولكن «الإرهابيين» هم من قاموا بانتهاك وقف إطلاق النار «500 مرة»، رقم آخر دقيق من أرقام الأسد، مما أسفر عن قتل خطة أنان.
لا يعلم المرء ما إذا كان الأسد يعيش في أوهامه بالفعل أم أنه يلعب الدور المسند إليه من جانب «الأشخاص الأقوياء» في نظامه الذين يوجدون في الظل؟.. ولكن الأمر المؤكد هو أنه شخص محتال آخر لا يتمتع بأي من صفات الخيال أو المرونة أو الاعتدال التي يجب أن يتحلى بها الزعماء المؤثرون في أوقات الأزمات. وبدلا من ذلك، يبدو الأسد في هيئة رجل في حاجة ماسة لمساعدة طبيب نفساني.
ولكي تنجح أي عملية تحول في سوريا، من الضروري أن يتنحى الأسد أو حتى يتم تنحيته، ففي أبسط السيناريوهات، سوف يمثل حدوث «تغيير داخل النظام» بدلا من تغيير النظام مشكلة حقيقية للبلاد.
ربما يكون حديث الأسد عن «الحرب الشاملة»، في الوقت الذي يحاول فيه توريط جيران سوريا في هذه الدراما الدموية، بمثابة التلميح لإمكانية لجوئه إلى «خيار شمشون»؛ حيث أعطانا إسقاط الطائرة الحربية التركية غير المقاتلة تصورا مسبقا عن هذه الاستراتيجية.
سوف يقوم الأسد بكل ما يستطيع لقراءة قصة شمشون بصورة أكثر عناية؛ حيث سيكتشف أن شمشون المنحوس قد لجأ إلى هذا الخيار المشهور بعد أن تم تجريده من قوته وفقأ عينيه كعقاب على تحديه للإرادة الإلهية.
لم يتعد خيار شمشون كونه شكلا من أشكال الانتحار مع بعض الرتوش التي تمت إضافتها كمؤثرات درامية.