بقلم: محمد رشيد
أكثر من عاقل وحكيم قرع الجرس، وأكثر من مجنون ومغامر رمى حجراً في المياه الراكدة تحذيراً من خطر صعود الزعيم النازي أدولف هتلر واحتمالات وصوله إلى حكم ألمانيا عن طريق صناديق الاقتراع، ناثراً الوهم ووهج العظمة في مخيلة أمة تائهة من حجم دمار الحرب العالمية الأولى، فأعادها الى حرب أشنع ودمار أكبر بعد أقل من ربع قرن على نهاية الحرب العالمية الأولى، وذبح في طريقه الملايين من الألمان، يساريون ويهود ومتمردون على حكمه، وكتب التاريخ، فألبس هتلر كل الجريمة مع أن العالم كله كان مسؤولا عن ذلك الصعود والطغيان والمجازر، إن كان بالصمت أو العجز أو التصعيد.
مرة أخرى تكرر المشهد على صورة مصغرة في إفريقيا السوداء والمجازر العرقية التي أودت بحياة مليون ونصف المليون في معارك التوتسي والهوتو، في روندا، ولم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ نظام عمر البشير بمجزرة بشعة أودت ولا زالت تودي بحياة ملايين السودانيين دون فروقات دينية أو قومية أو عرقية واضحة، عرب يذبحون عربا، مسلمون يذبحون مسلمين، وحاكم يدعم طرفا ليسحق الآخر، فهل البشير وحده المسؤول؟.
اليوم تتكرر الجريمة في سوريا، شعب يُذبح و يستغيث، والعالم يلهوا بموقف موسكو وبكين في مجلس الأمن الدولي، ولو كنت مكان الرئيس فلادمير بوتن لقلت، تفضلوا ها أنا قد أزلت اعتراضي عن الأمر، لبدأنا نرى حقيقة التخاذل العربي والدولي عن إنقاذ شعب يسحق وطاغية جزار ينتشي بدم شعبه، فهل بشار وحده المسؤول؟.
ليس صعبا ادعاء البعض بأن مسؤولية ذلك تقع على عاتق اختلالات النظام السياسي والقانوني الدولي، وأن ذلك النظام لا يسمح بتخطي الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، والعمل من خارج قرارات المجلس يعد خروجا عن الشرعية الدولية، والغرب لا يريد أن يكون في وضع المتهم لمثل ذلك الإخلال المحتمل بالشرعية الدولية، هراء، محض هراء، ولكن “ماشي”!!.
الغرب نفسه، وبعض العرب أيضاً يلعنون ليلا نهارا النظام ومجازره الواسعة والبشعة وقد تجاوزت أرقام شهداء سوريا 15000، أي بمعدل يزيد عن الألف شهريا، بينهم أكثر من 2000 طفل “إرهابي وأم إرهابية”!!، لكن نفس الأصوات، وبنفس الشفاه، وبنفس الجرأة تعلن ليلا نهارا “خطورة” تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر، وكل ذلك دون أن يقدموا أي بديل، هراء، ولكن “ماشي”!!.
يقولون إنهم حذرون وخائفون من تسليح الثورة لأن في ذلك خطر غير منظور على سلامة وأمن “الأقلية العلوية” واحتمالات أن تصبح هدفا لسلاح الثورة، وعلى سطحية هذا القلق لكن علينا الإقرار بذلك الاحتمال حتى ان كان ضئيلا، فلا احد يريد ان يتورط بدماء سوريين أبرياء كل ذنبهم ان النظام يختطف هويتهم المذهبية، ولكن أليس هراء واضحا أن تكون تلك الحجة أو العذر سببا في استمرار ذبح الأكثرية السورية بما فيهم ابناء الطائفة العلوية.
ومثلما يحرمون الشعب السوري من العون الدولي والعربي بالامتناع عن التدخل، ومثلما يحرمون الشعب من امتلاك أدوات الدفاع عن نفسه بنفسه، فهم أيضاً يحرمون اللاجئين السوريين من الثبات في أرضهم السورية، كذلك يحرمون الجنود والضباط البواسل المنشقين عن طاعة عصى بشار الأسد من الثبات في أرضهم، بالامتناع عن اقامة مناطق “آمنة” من بطش النظام لأن حكومات دول الجوار لم توافق على ذلك بعد أو هي في مرحلة دراسة الموضوع، هراء آخر، ولكن أيضاً “ماشي”!!!
لكنهم في الوقت ذاته يسمحون بتدخل دولي وإقليمي لمصلحة النظام عسكريا واقتصاديا وسياسيا، فالسلاح الروسي يصل علنا الى النظام، وموسكو لا تنكر ذلك وتقول إنها تنفذ صفقات قديمة، وإيران تحشد الأدوات والمعدات والاموال والرجال، وهي لا تنكر ذلك بل تفاخر به، وفي لبنان ترتكب جريمة إنسانية بشعة باعتقال اعداد من الناجين من بطش النظام ويعادون للذبح على مقصلة النظام، والسفن المحملة بالبترول والتجارة السورية تجوب البحار تحديا لقرارات الحظر، أليس كل ذلك تدخل دون حاجة لقرار دولي؟
يقولون إن نظام بشار الأسد فقد الأهلية والشرعية، بل يؤكدون على وجوب رحيله فورا، لكنهم يعلنون عن نصف اعتراف بالمجلس الوطني السوري “ممثل شرعي”، و مع ذلك لا يوفدون المبعوث الدولي كوفي عنان للتباحث مع ” ممثل شرعي ” للشعب السوري ، انما يوفدون الرجل للتفاوض مع ” فاقد “. الشرعية لتمثيل الشعب السوري، ويخرج المبعوث الدولي بحزمة تفاهمات تساوي الضحية بالجلاد، ويقبل الجميع ذلك الا النظام الذي يتلاعب بالأمم المتحدة بعد ان تلاعب بالجامعة العربية لاكثر من عام، ويستمر القتل، هراء، ولكن “ماشي”!!.
أين اللغز إذن في هذه الدوامة العربية الدولية؟، ذلك هو السؤال الواجب طرحه للدول والحكومات، ولكن الأفضل ترك الإجابة عليه للرأي العام السوري والعربي، فهم يعرفون الداء والدواء، وأبناء سوريا هم من ينتقم أو يكرم غداً، ولن تكون هناك قوة على الأرض قادرة على إقناعهم أن طاحونة الموت دارت وتدور بقدرات بشار الأسد أو قراره وحده، بل جريمة عصر يساهم فيها الجميع دون استثناء، لكن الغد قادم.