بقلم: أمير طاهري
عند مناقشة القضية السورية في العواصم الغربية، في الوقت الراهن، يفاجأ المرء بخطاب جديد ينصب على ثلاث فرضيات. تؤكد الفرضية الأولى أنه “لا شيء يمكن القيام به” حتى يتم الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد ستة أشهر، حيث يشدد بعض الخبراء على أنه نظرا «لتركيزه الكامل» على حملة إعادة انتخابه، لا يرغب الرئيس الأميركي باراك أوباما في تشتيت هذا التركيز عن طريق التورط في مأزق آخر، في الوقت الذي لم تعد فيه سوريا قادرة على القيام بالمزيد من الأعمال المزعجة، حيث إنها تغرق في مستنقع من الفوضى.
أما الفرضية الثانية، فتؤكد أن المعارضة السورية، المنقسمة والتي ربما تكون مخترقة أيضا من قبل عناصر النظام، ليست في وضع يسمح لها بالاستفادة من عجز الرئيس السوري بشار الأسد عن استعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى.
بينما تؤكد الفرضية الثالثة على إمكانية استفادة بعثة المراقبين التي يقودها كوفي أنان، بمرور الوقت، من وضع الجمود الحالي في سوريا بصورة كبيرة، وهي الفرضية التي بنى عليها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) موقفه في القمة الأخيرة التي عقدت في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية. ورغم أن هذه الفرضيات الثلاث ربما تبدو أمورا بديهية، فإنها تعد موضع تساؤل أيضا.
تؤكد الفرضية الأولى أن حدوث تطور في الأزمة السورية يعتمد بصورة شبه كلية على السياسة الأميركية، أو بكلمات أخرى، إذا تحركت الولايات المتحدة تحرك معها كل شيء، وإذا لم تتحرك فسوف نواجه حالة من الجمود.
ليس هناك أدنى شك في أن الولايات المتحدة، كقوة عظمى، يمكنها أن تلعب دورا حاسما في تشكيل التوجه الدولي تجاه كافة الأزمات تقريبا، ورغم ذلك، فسوف يكون من الحماقة أن نبالغ في تقدير أهمية العوامل الخارجية بخصوص أي موقف.
يكمن الافتراض الضمني الذي تتضمنه الفرضية الأولى في الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الإطاحة بنظامين استبداديين في أفغانستان والعراق، إلا أنه حتى في هاتين الحالتين، كانت الولايات المتحدة بمثابة العامل الخارجي.
ففي أفغانستان، انهار نظام طالبان بسبب تحديد الولايات المتحدة لأعدائه المحليين الذين كانوا على استعداد تام لمحاربته حتى النهاية، ثم قام التحالف الشمالي، وليست قوات الناتو، بالاستيلاء على كابل. أما في العراق، فتمثل العامل الداخلي الحاسم في قرار غالبية العراقيين، بما فيهم القوات المسلحة، بعدم القتال من أجل صدام حسين، وهو السبب الذي مكن الجنرال تومي فرانكس من قيادة قوته الصغيرة نسبيا إلى دخول العاصمة العراقية بغداد خلال ثلاثة أسابيع فقط.
وكما يقول المثل الصيني: “إذا كان لديك بيضة، فربما تحصل على دجاجة لو عرضتها للحرارة، ولكن إن كان لديك حجر، فلن تحصل على دجاجة حتى لو عرضته لحرارة العالم بأسره”.
فنظام الأسد محكوم عليه بالفشل نظرا لعجزه عن نزع فتيل قنبلة سياسية واجتماعية موقوتة نتجت عن عقود من القمع والفساد، وفي العقود الستة الأخيرة، التي أصبحت فيها الولايات المتحدة “قوة عظمى”، حدثت الكثير من الأمور من دون أن يكون للولايات المتحدة دور رئيسي فيها، مثل استيلاء الشيوعيين على الصين وانهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية وظهور أكثر من 150 دولة جديدة واندلاع العشرات من الحروب الأهلية في كل قارات العالم، وأخيرا وليس آخرا سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي، وهي الأحداث التي نتجت جميعها عن ديناميات داخلية في هذه المجتمعات وليس عن مبادرات أميركية.
وفي الآونة الأخيرة، أخذ الربيع العربي، الذي جاء نتيجة عقود من الاستبداد، الولايات المتحدة على حين غرة. ولكي نكون منصفين، فقد لعبت الولايات المتحدة دورا هاما في الكثير من القضايا، وهو الدور الذي جاء، في كثير من الأحيان، على الجانب الصحيح من التاريخ، بينما حاولت الولايات المتحدة، في بعض الحالات، منع وقوع الأحداث أو تحديد أبعادها، ولكنها فشلت في ذلك في معظم الأوقات.
وفي الفرضية الثانية، فعند الإشارة إلى الانقسامات الموجودة في صفوف المعارضة السورية، يحدث هناك خلط بين حقيقتين، أولاهما هي الثورة الشعبية في سوريا ضد الأسد، وثانيتهما هي المعارضة الرسمية، التي يوجد معظمها خارج سوريا.
تندمج هاتان الحقيقتان معا في المساعي الرامية إلى الإطاحة بالأسد، رغم أنهما ليستا متطابقتين، وفي السياق الثوري، لا تتحد قوى المعارضة المختلفة بصورة رسمية على الإطلاق، حيث تتمثل نقطة الوحدة الوحيدة بينها في رغبتهم المشتركة في إحداث تغيير.
تعتمد الفرضية الثالثة على سراب دبلوماسي، ألا وهو أن نظام الأسد لا يزال قادرا على خلق آلية للإصلاح، مما يجعل عملية التحول السلمي مسألة ممكنة. ورغم ذلك، فإن أي شخص مطلع على مجريات الأحداث في سوريا في ظل حكم حزب البعث يدرك تماما أن مثل آلية الإصلاح هذه لم تتواجد في سوريا في أي وقت مضى. لن يقبل الأسد بأي شيء أقل من السيطرة الكاملة على البلاد، بينما لا تزال الغالبية العظمى من معارضيه غير مستعدة لمنحه ولو مكانا ثانويا في سوريا في المستقبل.
يحاول الأسد الآن تصدير عنفه وإرهابه إلى الدول المجاورة، ولا سيما لبنان، على أمل خلق كارثة إقليمية أوسع نطاقا. وبالطبع، لا تعد الكارثة حدثا فرديا مثل الزلزال، حيث إنها من الممكن أن تحدث في تسلسلات كثيرة وبالحركة البطيئة.
لم يصل الوضع في سوريا بعد إلى درجة الثورة، ولكن لدينا وضع ثوري في سوريا، بالتأكيد، له قواعده الخاصة، والذي سيتمكن من العثور على الزخم أو فقدانه من خلال المساعدة الخارجية أو من دونها، وبالطبع ستؤثر وحدة أو تفكك المعارضة الموجودة في المنفى على هذه الثورة، ولكن هذا لن يكون عاملا حاسما في نجاح أو فشل الثورة في نهاية المطاف.
تتميز الثورة السورية باتساعها وعمق القاعدة الشعبية التي تمتلكها على ما يبدو، فبمرور الأيام، يتنامى إلى علم المرء الكثير من المدن والقرى الجديدة التي باتت تدعم الثورة، وهو الدعم الذي لم تحظ به أي ثورة من الثورات الشعبية التي اندلعت في بلدان الربيع العربي.
وكما كان الوضع في نهاية عام 2010، لا يتواجد نظام الأسد في المشهد، حيث إنه فقد القدر القليل من الشرعية التي كان يتمتع بها، وبينما يتمزق القناع الذي يرتديه، يعمل النظام السوري الآن كآلية قتل، بينما تكمن النقطة الرئيسية في كيفية تدمير آلية القتل هذه في أسرع وقت ممكن، وكما كان الوضع دائما، فإن زمام المبادرة لا يزال بيد السوريين أنفسهم، فإذا ظلوا مصرين على النجاح، فسوف ينجحون في النهاية.