سلطة ديناميات الثقافة
1 ـ الثقافة هى أولا إيمان وثانيا امتياز وثالثا تضحية وكفاح ..
بقلم :ــ أحمد عزت سليم
مستشار التحرير
قد يكون من أقدم التعريفات للثقافة.. وأكثرها شيوعاً حتى الآن وذلك لأهميته وقيمته التاريخية هو ذلك التعريف الذي قدمه “إدوارد تيلور” في نهايات القرن التاسع عشر في كتابه “الثقافة البدائية ” والذي يقول فيه أن الثقافة هي : ” كل مركب يشمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف و كل ما يمكن أن يكتسبه الإنسان من إمكانيات وعادات على اعتبار انه عضو ً في مجتمع” . أما المفكر العربي” د. محمد عابد الجابري” فانه يعرف الثقافة بأنها: ” ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتطورات والقيم والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحفظ لجماعة بشرية تشكل أمة.. أو ما في معناها بهويتها الحضارية.. في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل دينامكيتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء” ، ويعتبرها د. طلال عتريس ” محصلة التفاعل بين ثلاث علاقات مع الله (العقيدة والذات) ومع الآخر (المجتمع والطبقة) ومع الذات (الرغبات والغرائز والحاجات) . ويعرفها د. نبيل محمود علي بأنها : ما يبقى بعد زوال كل شيء، والمعلومات: هي المورد الإنساني الوحيد الذي لا يتناقص بل ينمو مع زيادة استهلاكه، والثقافة تصنع الموارد البشرية كما هي صنعتها . وكما يراها الراحل المفكر ثروت عكاشة : ثمرة تفاعل بين الإتسان ومصيره على الأرض ، وأن هذا التفاعل ليس مقصورا على بيئة محددة ، بل يعم حياة البشر أيا كان . ويرى العلامة الدكتور الراحل حامد ربيع فإن الحضارة هى التعامل مع المواقف المتجددة كأداة وممارسة فى آن واحد ، والثقافة من ثم جزء من
، ويضيف : إنها الإطار المعنوى للحضارة ، ويؤكد على أن الثقافة هى نظام للقيم وعلى ذلك يرى أنه على الرغم من الطابع المعنوى للثقافة فإنها تتكون من خمس كليات : مفاهيم أولا أو بعبارة أخرى مدركات سائدة ، قيم ومثاليات يغلب عليها الطابع الجماعى ، نماذج سلوكية أى إطار لنموذج رد الفعل الذى يجب أن يتحدد فى المواقف الحركية ، جزاءات لعدم احترام تلك النماذج السلوكية ، ويرتبط بكل ذلك أدوار تحدد وضع الفرد فى داخل الجماعة من حيث إلتزامه وأهدافه المشروعة ولذا فالقيم بهذا المعنى عنصر أساسى بل هى تمثل الوحدة الفكرية من جانب والترابط التاريخى من جانب آخر حيث تصير تلك القيم ليس فقط قنطرة تربط الثقافة بالطابع القومى بل أنها تمثل الحقيقة الباطنة فى النظام الثقافى فإذا بها تتسرب بشكل أو بآخر فى جميع الكليات الأخرى وعلى وجه التحديد النماذج السلوكية والجزاءات ، وقد عرفها لؤى صافى على أنها “المحتوى الأخلاقي والفكري والجمالي الذي يوجه السلوك الفردي ويحدد الفعل الاجتماعي المشترك، لمجموعة سكانية محددة ” والثقافة عند ت.س. اليوت ” طريقة حياة شعب معين، يعيش معاً في مكان واحد. وتظهر هذه الثقافة في فنون أبناء هذا الشعب، وفي نظامهم الاجتماعي، وفي عاداتهم وأعرافهم، وفي دينهم” كما يعرفها دافيد روتكوبف بأنها ” نموذج كلي لسلوك الإنسان ونتاجاته المتجسدة في الكلمات والأفعال وما تصنعه يداه ، وتعتمد على قدرة الإنسان على التعليم ونقل المعرفة للأجيال التالية ” ويرى العلامة الدكتور حامد ربيع أن الثقافة هى عنصر من عناصر الإدراك بل هى الإطارالفكرى لعملية الإدراك هى أولا إيمان وثانيا امتياز وثالثا تضحية وكفاح ..الجماعى، وهى بهذا المعنى مصدر مباشر لتحديد خصائص لا فقط التعامل بين المواطن والسلطة ولا فقط أسلوب الالتحام بين المجتمع القومى والمجتمعات الخارجية بل كذلك الرؤية الذاتية للحضارة القومية بما يعنيه ذلك من تماسك تاريخى وثقة فى التراث والانتماء . الثقافة هى المادة التى منها وبها يتكون الولاء ، والقضية الأكثر التصاقا بالخاص الحميم للأفراد التى تدفعهم للصراع من أجل الاحتفاظ بها ، والثقافة هى قيم وهى تقاليد وهى ممارسات ثم هى نظام متكامل لا يقبل التحلل ولا يعرف إلا التماسك التصاعدى . الثقافة بهذا المعنى إيمان لأن المتغير الحقيقى الذى يفرض ذلك التفاعل المستمر بين المواطن وقيمه الثقافية إن هو إلا شعور داخلى يفرض عليه أن يرى فى تلك القيم محور حياته ووجوده ، وهى ثانيا امتياز لأنها ملك الطبقة المختارة التى تمثل الاستمرارية الحقيقية ، وهى ثالثا تضحية لأن محورها الخضوع لعادات وتقاليد واحترام تلك العادات والتقاليد حتى لوعلى حساب ـ أيضا ـ المصلحة الفردية ، والثقافة حصيلة لقاء ديناميكى بين دلالة الخبرة الماضية وعملية المواجهة اليومية لمشاكل الوجود الإنسانى .وبهذا المعنى ـ كما يرى العلامة الدكتور حامد ربيع ـ هى جامدة ومتجددة فى آن واحد ، الخبرة تصير علامة المعرفة ، والتعامل المستمر يقود إلى مرونة إزاء الواقع المتجدد لا ثقافة دون تاريخ ، ولا ثقافة دون حركة مستمرة وانبعاث دائم نحو التغيير والتجديد .