ستظل المرأة العربية مقاومة
- الجزء الثاني من مقال “المقاومة مقاومتنا”.
مازال الكثير من مثقفى الأمة العربية يصفون الشعوب العربية بالخضوع والخنوع للمحتل وللسلطة القهرية الحاكمة وأنها شعوب مستعبدة مارست عليها كل السلطات القهرية المحلية والقومية والأجنبية المذلة والاحتقار ونهب ثرواته وانطلاقا من وفى كافة مناطقها المعاشة والمحيطة، ومنذ فجر التاريخ الإنسانى العربى والعربى المقاوم لم يتوقف عن مقاومته للإجتياحات الاستعمارية الفارسية والبيزنطية والعثمانية والرومانية والأوربية من الأسبان والبرتغاليين والفرنسيين والانجليز ويهود الغرب والأمريكان والإيطاليين.
ولا ينسى التاريخ العربى أسد الصحراء شيخ الشهداء العرب المجاهدين المناضل عمر المختار وأحد أشهر المقاومين فى التاريخ المعاصر الحديث حيث قاد وطنه الليبيى ضد الاستعمار الإيطالى عام 1911 ولم يخضع بعد انسحاب الجيش العثمانى بعد توقيع معاهدة لوزان وظل مقاوما حتى أعدموه شنقا 1931، ومازال عبد الكريم الخطابى المقاوم للإحتلال الأسبانى والفرنسى للمغرب وانتصاره الكبير على الأسبان في معركة أنوال عام 1921 وتكبد الاستعمار الأسبانى المحتل أكثر من 14 ألفا من الجنود ما بين قتيل وجريح.
بل وصار عبد الكريم الخطابى رمزا عالميا للمقاومة حتى أن المقاوم للاستعمار الغربى تشى جيفارا أثناء زيارته للقاهرة عام 1958 أصر على لقاء عبد الكريم الخطابي كأبرز رموزالتحرر والمقاومة الوطنية في العالم، ومن روح المقاومة العربية نشأت حركات التحرر العربية فى كل أنحاء العالم العربى وكان لها دورا رائدا فى التحرر من الاستعمار، وهل ينسى الوطن العربى الثورة السورية الكبرى والتى انطلقت فى 21 يوليو عام 1925 والتى انضم لها المناضلين من لبنان والأردن تحت قيادة سلطان الأطرش ضد الاحتلال الفرنسى والذى استهدف تمزيق سوريا ونشر الطائفية والقضاء على عروبتها.
ولايتذكر واصمى الشعب المصرى بالسلبية والاستسلام والهوان وإلى درجة السباب، تاريخ المقاومة الشعبية ولا يذكرون البطل الشعبى المقاوم محمد كريم الذى قاد المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية بقيادة المجرم نابليون، ولم يستسلم لإغراءات سلطة المحتل واستمر فى المقاومة وتجميع الشعب للمقاومة، فاعتقله كليبر حاكم الإسكندرية، وأرسله إلى القاهرة ليُحكم عليه بالإعدام ووجَّهت المحكمة الفرنسية -التي شكلها نابليون للحكم على المناضلين- إلى محمد كريم تهمة التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية.
وأثناء المحاكمة أرسل نابليون رسالة إلى المحقِّق؛ يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون ألف ريال، يدفعها إلى خزينة الجيش ليفتدي نفسه، ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية، ولمَّا ألحَّ عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض، وقال: “إذا كان مقدورًا عليَّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدورًا عليَّ أن أعيش فعلام أدفعها “.
وفي (25 من ربيع الأول 1213هـ / 6 من سبتمبر 1798م) أصدر نابليون بونابرت أمرًا بإعدام محمد كريم ظُهْرًا في ميدان القلعة رميًا بالرصاص، فأركبوه حمارًا، وطافوا به إلى أن بلغوا الرميلة فقتلوه رميًا بالرصاص، وقطعوا رأسه ورفعوه على نَبُّوت (عصا كبيرة)، وأخذ منادٍ يصيح: “هذا جزاءُ مَنْ يُخالف الفرنسيين”.
وبذلك أُسدل الستار على مجاهد وطني نادر، واستولى أتباع محمد كريم على رأسه المقطوع ودفنوه مع جثته، وهكذا أصبح الزعيم محمد كريم رمزًا للفداء، وأحد زعماء الوطنية البارزين في مصر، وأقسم الشعب أن يثأر لشهيده، وتحقَّق ذلك بأن تمَّ جلاء آخر جندي فرنسي عن مصر سنة (1216هـ / 1801م) بعد مقاومة شعبية كبيرة.
ولم تكن المرأة المصرية بعيدة من مواجهة ومقاومة الغزو الاستعمارى ففى مواجهة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أنه تم تنظيم كتائب محاربة من السيدات المصريات بلغ عددها 30 ألف فتاة تواجدن في الصفوف الخلفية لمساعدة الجرحى والمصابين، وأيضا التدريب على حمل السلاح، وكانت من أشهر السيدات التي حملت السلاح هي الفنانة الرائعة تحية كاريوكا والفنانة الجميلة نادية لطفي والتى قدمت نفسها كمتطوعة للمشاركة فى قوات الفدائيين وطلب منها وجية أباظة نقل أسلحة وطوربيد إلى الإسماعيلية ونفذت المهمة بنجاح.
وعلى مدار اثني عشر عاما من الاحتلال لم يستطع العدو الإسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء أو تجنيد أحد أبنائها لأن المرأة المصرية زرعت في نفوس أطفالها عن طريقة تربيتها لهم حب الوطن وعندما أراد العدو الصهيوني “تدويل سيناء” من خلال مؤتمر دولي في الحسنة وقف جميع أهل سيناء رجال ونساء قالوا “إن باطن الأرض خير لنا من ظهرها إذا تخلينا عن مصر أو فرطنا في سيناء.
وكانت المرأة المصرية في 6 اكتوبر أما لكل مصاب وجريح وعونا له بالجهد الذي لا يكل بالعرق والمال، ضمت سجلات التطوع في التنظيمات والهيئات النسائية آلاف الأعداد من الأسماء اللاتي أسهمن بالفعل في التطوع والمساعدة في حرب أكتوبر بشكل أو بآخر ونظمت نفسها في لجان تطوف بالمستشفيات وتساعد أهالي المجندين وتقف بجانبهم لتلبية احتياجاتهم، وأقامت المشروعات ومن أهمها مشروع ”النور والأمل” لرعاية المعاقين ومصابي الحرب كي يشعروا أن وطنهم يكرمهم ويرفعهم إلى أعلى مكانة.
ويؤكد الشاعر عبد الرحمن الابنودي – إن الست المصرية لم تكن أم البطل أو زوجة الشهيد أو ممرضة الجراح بل ناضلت كتفا بكتف مع الرجل وشارك بعض النساء في المقاومة الشعبية بالسويس.وأضاف أن أبرز هذه الأمثلة كانت الست “فاطوم”، تلك المرأة المصرية العظيمة التي لم تكن تملك من الدنيا سوي عشر دجاجات ذبحتها كلها لرجال المقاومة، وكانت تعمل قدر استطاعتها، رغم القصف الشديد – على نقل الذخيرة وتضميد جراح الأبطال الفرسان.
أما فلاحة فايد فقد كلفها أحد الضباط أن تذهب إلى مكان تمركز آليات العدو ومجنزراته تختبئ بين الأشجار الكثيفة في منطقة فايد وسرابيوم، لتكون هذه الفلاحة البسيطة جزءا من خطة الاستطلاع، واستطاعت ببسالة شديدة أن تحمل طفلتها على كتفها لتنفيذ المهمة والتمويه على جنود الاحتلال لكي لا يشك فيها أحد، دون أن تخشي انكشاف أمرها والتعرض لمخاطر القتل أو القبض عليها ، ولم يكن ذلك إلا امتدادا لنضال المرأة المصرية ضد المحتل فتحكى هدية بركات حرم بهى الدين بركات أنها عملت بأسيوط مع فكرية حُسنى فى توزيع المنشورات ضد الإنجليز خلال أحداث ثورة 1919، وكانت تُخفى المنشورات فى سلال الخُضر والفاكهة وتركب قطار الصعيد القشاش الذى يقف فى كل محطة، وكانت فكرية حسنى تكلف مفتشات وزارة المعارف بانتظارها فى كل محطة لتتسلم كل واحدة حصة مدينتها من المنشورات، وبتلك الطريقة أمكن نقل تعليمات وخطط وتكليفات من القاهرة عبر أنحاء الصعيد.
Sorry Comments are closed