ستظل المرأة العربية حصن الحياة
المقال الثالث من سلسلة مقالات المقاومة مقاومتنا، المقال الأول هنا، المقال الثاني هنا..
رغم التطور الاجتماعى الذى شهدته المجتمعات الإنسانية فإن إستمرارية حصار المرأة العربية داخل منزل الزوجية سواء بالقرية أو المدينة أو بالعائلة أو بالقبيلة جعلها مقاومة حيث مازالت المرأة هى حصن الحياة العربية فهى حصن المنزل بكل فاعلياته وآلياته من نظافة وغسيل وتنسيق وإعداد وتجهيز وتسوق وطعام وإطعام وتربية الطيور والحيوانات بينما الرجال على المقاهى وبجلسات الصداقة والقرابة والقبيلة وبالأندية والمنتزهات.
ومما يشكل هذا الحصن نوعا من المقاومة من أجل الحياة واستمراريتها، وحتى تحت الاحتلال الإجرامى الصهيونى كانت المرأة الفلسطينية متمسكة بمنزلها مع قيام الإجرام الصهيونى بهدمه وتشريد عائلتها وكما حدث صباح 16 يناير 2019 بتشريد عائلة بهدم منزلها فى فصايل بالأغوار وتمسك المرأة الفلسطينية بوطنها وارغمها قسرا وعنفا على تشريدها ، وقد امتد نضال المرأة العربية المقاومة من أجل العدالة والحرية والمساواة والحصول على حقوقهم المشروعة والاستقلال الوطنى وامتلاك الإرادة فى مواجهة سلطة الطغيان والقهر إلى كل أرجاء الوطن العربى.
وتعرضت فى نضالها للسجن والتعذيب وقدمت الكثير من الشهيدات المضحيات بحياتهن من أجل إيماناتهم بقضاياهن وقضايا الإنسان والشعب العادلة وشكلت فى نضالها المنظمات النسائية والاجتماعية والمقاومة متحدية العديد من التحديات التاريخية والراهنة التي يواجهها تقدم المجتمعات العربية، وأهمها العديد من النخب التى لم تخرج من الهوية الصلبة للمجتمع ولم تعرف حقيقة الانتماء ولم ترتبط بالعمق التاريخى المكون للأمة والكامن فى ذاتها وافتقدت الضمير والروح الطليعية للإرادة القومية كروح دينامية مقاومة للظلم والاستبداد وكمقدمة للتقدم والتغير.
نخب اعتلت القيادة التى خلقتها الأوضاع الراهنة وتميزت بالجهالة وعدم القدرة على التعمق فى تحليل وفهم الواقع، واستغلت قدراتها فى دعم أغنياء البترول واغنياء السلطة على حساب شعوبها، نخب دفعت بها ومولها هؤلاء الأغنياء والقوى الأجنبية فإذا بها تقود بلدانها وهى متبنية سلوكيات ونماذج أجنبية لتسييدها فى مجتمعاتها وبالتالى تتسيد شعوبها مستهدفة تخريب وتفتيت المقومات الثقافية الأصيلة لشعوبها وقطع تواصلها واستمراريتها ودفعها للتخلف وللعزلة والانفصال والتشويه وإفقادها كرامة الإنسان لصالح هؤلاء الأغنياء وإغلاق جميع ابواب المجتمع فى وجه الحرية والعلم والتطور.
اقرأ/ي أيضا: ترشيد القرار السياسي في العالم العربي
بل وصار الوطن على نحو ما يقول المناضل الراحل عبد الله النديم: “كانت البلاد على سعة أطرافها كليمان أعد للمذنبين” وضاع الوطن وكما يقول الشيخ الإمام محمد عبده: “لاوطن إلا مع الحرية” بل أصبحت تأخذ شكلا جديدا للاستشراق الذى يمكن تسميته بـ “الاستشراق المحلى” كأداة محلية للغزو الفكرى والثقافى لإعادة تشكيل الوطن بأفراده ومؤسساته نحو ربطه بالنموذج الغربى وتحطيم كل ارتباط واستمرارية بمكنونات القيم العربية النضالية وقطع الصلة معها وإخضاعها للإرادة الأجنبية بل وفى أغلب الأحوال يتمركز ويتمحور الوعى الثقافى لهذه النخب حول الحاكم/الخليفة/ الملهم فيكثرالتضليل والتهليل والطبل والتزمير وشراء الضمير وبيعه فى مختلف المحافل على حساب الوطن والتاريخ والولاء لهما.
ووصولا إلى تحقير وتحجيم دور المرأة الاجتماعى ويجعلها أداة جنسية للمتعة وتصير الثقافة تعبيرا عن ماهية التراكم الذى يشهده الواقع الوطنى المنهك والذى تحول فيه الوطن إلى مجرد رهان متنازع عليه بين الحضور والغياب والتعمية وردود الأفعال ليصير الواقع الوطنى تعبيرا مأساويا عن التفتت والتشرذم والانكفاء والانفصام والانفصال والتعدد والنفى والكراهية والمصادرة والحجب والرقابة أمام تحولات وتغيرات الواقع الاجتماعى والواقع العالمى أو التمترس حول سلطة الحكم وإغراءتها المادية وسلطة الغرب بكونه فكرا واستعمارا.
وأصبحت الحركة المجتمعية ودينامياتها تعيش رهنات الماضى وتعجزعن تكوين روح نقدية حقيقية فى مواجهة الفناء والرجعية والتكرارية الماضوية والتطرف الدينى والتشدد الإرهابى وتبنى النماذج الغربية والخضوع لها ، كما تعجز عن مواكبة التطور والتغلب على الواقع وخلق واقع جديد ينهض بالأمة ويخرجها من أزماتها وينقذها من الصراع الثقافى التدميرى كما يعيشه الكثير اعتمادا على الفكر القبائلى ( وظهر ذلك جليا فى التصادمات القبائلية والعشائرية والقرائبية فى الكثير من الدول العربية كنتاج لفشل هذه النخب ــ رغم ادعاءات بعضها بالتقدمية والوحدوية ــ فى صهر الروح القبائلية داخل الوطن الواحد ).
واعتمادا على الفكر التكفيرى وكما يرى ويصف أحدهم جامعة القاهرة بأنها قامت من أجل هدم الشريعة الإسلامية، ورغم وجود كلية دار العلوم بها والتى قدمت للمجتمع العربى والإسلامى والعالمى الآلاف من معلمى اللغة العربية الذين حافظوا على لغة القرآن الكريم فى العالم، وأخرون قبلهم فى التسعينات من القرن الماضى حاولوا قتل المبدع نجيب محفوظ وتكفيره لرواية إبداعية هى أولاد حارتنا.
وكما شارك كثير من الجناه البلطجية حرق المجمع العلمى بالقاهرة تحت مرأى ومسمع من ذوى السلطان والقوة الذين يمتلكون ويسيطرون ويتحكمون فى وسائل الإطفاء السريعة والفاعلة والقادرة بقوة على إطفائه فى دقائق معدودات ودون تدخل لإنقاذ التراث الثقافى الإنسانى بداخله، رغم أنهم ذهبو للعدو الصهيونى بطائراتهم المتخصصة لإطفاء حرائق الغابات هناك!
ورغم هذا الواقع المأساوى الممتد من أعماق التاريخ كانت المرأة العربية ظهيرة ونصيرة المقاومة والدفاع عن الوطن وهل ينسى التاريخ العربى دور المناضلة صفية زغلول فى الثورة المصرية المصرية ضد الإنجليز ودور المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد الشهيدة الحية والتى ناضلت ضد الاستعمار الفرنسى والتى بدأت نضالها فى العشرين من عمرها وانضمت إلى جبهة التحرير الوطنى الجزائرية وتعرضت للتعذيب البشع فى سجن باربادوس وأطلق سراحها فى عام 1962 ورغم تعذيبها الإجرامى قالت لمعذبيها: اعرف انكم ستحكمون بالإعدام علي لكن لا تنسوا انكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من ان تصبح حرة مستقلة.
اقرأ/ي أيضا: لماذا لا يتعلم الطغاة؟!
ودور الفلسطينية دلال المغربي واللبنانية سناء محيدلى، وحتى الفنانة الشهيرة تحية كاريوكا قامت بمساعدة الفدائيين بتهريب الأسلحة داخل سيارتها عام 1948 وقامت بتهريب وإخفاء أنور السادات فى اربعينات القرن الماضى بعد الحكم عليه بالإعدام فى قضية أمين عثمان ، وغى عام 1978 ورغم مرضها قادت إضراب نقابة المهن التمثيلية إحتجاجا على قانون يمنح النقيب حق الترشح مدى الحياة وأضربت عن الطعام حتى أجبرت الحكومة على التراجع.
ولم تقتصر مقاومة المرأة العربية على مقاومة المحتل والسلطة الديكتاتورية فحسب بل قاومت الفقر حتى أصبحت قوة انتاجية تساهم فى بناء المجتمعات العربية فقد بلغ عدد العاملات بالمناجم المغربية عام 1931حوالى 3083 عاملة من إجمالى 6500 عامل، وبمعامل التصبير بالقنيطرة وأكادير واسفي والبيضاء كان عددهن 6782 عاملة بينما عدد الرجال 967 عاملا فقط ، ولننظر إلى أسواق الباعة فى أرجاء مصر حيث تمتلأ بالباعة من النساء المكافحات من أجل حياة أسرتهم وبداخل المصانع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة سواء بالمنازل والشركات وتقود التظاهرات دفعا عن حقوق العمل والعمال.
كما قادت عاملات شركة مصر للغزل والنسيج وشركة النصر بالمحلة الكبرى التظاهرات من أجل الدفاع حقوقهم وضد بيع الشركة ، ولن ينسى التاريخ المقاومة اللبنانية سناء محيدلى الشهيدة “عروس الجنوب” إبنة الثامنة عشرة التى استهدفت قافلة تابعة للجيش الصهيونى بعملية انتحارية ادت إلى مصرع اثنين من الجنود الصهاينة وجرح اثنين آخرين.
اقرأ/ي أيضا: سنوات القلق القادمة
وسيذكر التاريخ ليلى خالد المناضلة الفلسطينية كأول إمرأة أختطفت طائرة لشركة العال الصهيونية إلى سوريا فى أغسطس 1969 بهدف إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من السجون الصهيونية، ثم إختطاف طائرة أمريكية بعد ذلك هبطت فى لندن وقبض عليها وأفرج عنها، وفى سوريا كانت المقاومة الرائدة لمواجهة القمع وعصابات وفرق الموت والشبيحة ومنذ المناضلة ماري عجمي التي كانت اول إمرأة رفعت شعار المقاومة النسائية ضد العثمانيين وأصدرت أول صحيفة نسائية عام 1910.
ورغم التعرض للموت بالتعذيب والقتل بالرصاص الحى تظاهرت المرأة السورية فى كافة أرجاء المدن والقرى السورية، بل مثلت المرأة أكثر 12% من عدد الشهداء السوريين واللاتى بلغ مجموعهن 17538 شهيدة فى انحاء سوريا ونتيجة قصف بالغازات الكيماوية وبسبب نقص المواد الغذائية والطبي ونقص المواد الطبية وبرصاص قناص وبقصف بالطيران وقصف من داعش وبغازات كيماوية وسامة وبالخطف الاعدام، ولن ينسى التاريخ دور المرأة السورية كركيزة أساسية للثورة السورية وهتافاتها: “الشعب السورى ما بينذل” وكانت طل الملوحى وسهير الأتاسى ودورهما فى إيقاد الثورة السورية.
Sorry Comments are closed