ربما تجد إدارة بايدن نفسها مضطرّة لمراجعة توجهاتها العسكرية والسياسية تجاه المنطقة قريبا.
التعاون العربي في الخليج مع الصين لا يمثل شكلاً من التحالف الاستراتيجي، ما دامت الصين تمدّ أذرعها إلى طرفي التنافس الإقليمي.
طبيعي أن تشعر السعودية بالقلق من التراجع عن تقييد النشاط الصاروخي الإيراني، وأن تسعى إلى إحداث حالة من “توازن الردع” مع إيران.
من غير المتصور أن تساعد الصين السعودية على امتلاك سلاح تستخدمه لتهديد المصالح الاستراتيجية داخل إيران التي تستثمر فيها الصين مبالغ طائلة.
امتلاك الدول الخليجية المنافسة لإيران أسلحة صينية، بل وامتلاك السعودية تكنولوجيا تصنيع صواريخ باليستية يندرج في إطار التوازن العسكري مع إيران لا أكثر.
* * *
بقلم: سامر خير أحمد
تسرّبت تقارير استخبارية إلى وسائل إعلام أميركية، تُظهر أن السعودية تصنع صواريخ باليستية بالقرب من بلدة الدوادمي (200 كلم غرب الرياض) بالتعاون مع الصين. لم تعلّق السعودية على الخبر، لكن الخارجية الصينية قالت إن البلدين شريكان استراتيجيان، وتعاونهما العسكري لا ينتهك القانون الدولي من جهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، من دون تفاصيل.
في الأثناء، علّقت الإمارات مفاوضاتها مع الولايات المتحدة لشراء 50 طائرة حربية من طراز F35، وطائرات مسيّرة من طراز MQ-9B وذخائر عسكرية، بقيمة 23 مليار دولار، وأرجع مصدر رسمي إماراتي الأمر إلى “المتطلبات التقنية والقيود السيادية والعملياتية وتحليل المنفعة مقابل التكلفة”، ما يبدو أنه يتعلق بشروط أميركية تستهدف ضمان عدم اطلاع الصين على تكنولوجيا هذه الطائرات المتطوّرة.
بعد أن كانت الولايات المتحدة ضغطت على الإمارات لمنع إنشاء قاعدة عسكرية صينية في أبوظبي، لم تكن معلنة. وكانت الإمارات أبرمت قبلها بأيام صفقة مع فرنسا لشراء 80 طائرة حربية من طراز رافال المتطورة بكلفة 19 مليار دولار.
لا تمكن قراءة هذا المشهد الجديد في الخليج بمعزل عن سياسة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن إعادة صياغة معادلة وجود الولايات المتحدة العسكري في الخليج، وسحب عديد من قواتها من المنطقة وإعادة نشرها لصالح التركيز على شرق آسيا والمحيط الهادئ، عوضاً عن الشرق الأوسط، إذ يبدو أن الأمر الذي دفع الدولتين الخليجيتين إلى التفكير بالاعتماد على الذات في سياستهما الدفاعية، خصوصاً مع إعادة واشنطن التفاوض مع إيران بشأن الملف النووي.
المسألة الأساسية أن الاتفاق مع إيران، الذي أبرمته إدارة باراك أوباما عام 2015، ويبدو أن إدارة بايدن تريد العودة إليه، ركّز على البرنامج النووي الإيراني، وتجاوز نشاطها في تصنيع الصواريخ الباليستية التي يعتقد الأميركيون أنه لا يمثل خطراً داهماً، لأن إيران غير قادرة على تصنيع صواريخ عابرة للقارات في وقت قريب، رغم تطور صناعاتها الصاروخية في العقدين الأخيرين، وانتقالها من الصواريخ التي تعتمد على الوقود السائل إلى التي تعتمد على الوقود الصلب، ويسهل تحريكها وتخبئتها ونقلها، وإنتاجها أنواعاً من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى ومتوسطة المدى التي يمكنها الوصول إلى شرق أوروبا.
إذ تعمل هذه الصواريخ التي تمتلكها إيران بواسطة محرّكات منخفضة الدفع، وثمّة فروق تقنية كبيرة بين منصّات إطلاقها ومنصات إطلاق الصواريخ عابرة القارّات التي لا تتوفر طهران على تقنياتها المتطورة.
ولم تكن إدارة ترامب التي تراجعت عن اتفاق أوباما مع طهران راضية عن عدم تضمين برنامج الصواريخ الباليستية والنشاط الإيراني مع الحركات المسلحة في محيطها الجغرافي، خصوصاً حزب الله، في الاتفاق، وهو ما يبدو أنه كان مصدر ارتياح للسعودية. وهكذا يكون طبيعياً أن تشعر السعودية بالقلق من التراجع عن تقييد النشاط الصاروخي الإيراني، وأن تسعى إلى إحداث حالة من “توازن الردع” مع إيران، منافستها الإقليمية الرئيسية.
وجدت السعودية والإمارات مساحة للتعاون العسكري مع الصين التي تعمل على توسيع حضورها الدولي في مختلف المحافل، تعويضا عن تغيير السياسة الأميركية تجاه المنطقة.
لكن اللافت أن الصين التي تقدم هذه المساعدة العسكرية غير المسبوقة للسعودية والإمارات هي ذاتها التي أبرمت قبل شهور اتفاق تعاون استراتيجي مع إيران مدته 25 سنة، يضمن أن تضخّ الصين ما قيمته نحو 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني من خلال استثمارات في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والنقل والبنى التحتية، مقابل حصولها على النفط الذي تتزايد احتياجات الصين إليه سنوياً، بأسعار تفضيلية جرى تقديرها بأنها تقل بنحو 30% عن أسعار السوق، إذا أخذ بالاعتبار أنها ستشتريه باليوان الصيني وعملات أخرى، وليس بالدولار.
وهذا يعني أن امتلاك الدول الخليجية المنافسة لإيران هذه الأسلحة، بل وامتلاك السعودية تكنولوجيا تصنيع الصواريخ الباليستية، إنما يندرج في إطار التوازن العسكري مع إيران لا أكثر، لأن من غير المتصور أن تساعد الصين السعودية على امتلاك سلاح تستخدمه لتهديد المصالح الاستراتيجية داخل إيران التي تستثمر فيها الصين مبالغ طائلة.
كذلك يعني أن التعاون العربي في الخليج مع الصين لا يمثل شكلاً من التحالف الاستراتيجي، ما دامت الصين تمدّ أذرعها إلى طرفي التنافس الإقليمي، بل هو تعاون ينتمي بالنسبة للصين إلى الحصول على مكاسب اقتصادية، ما يُبقي الولايات المتحدة حليفاً مفضّلاً للدول الخليجية، بخاصة إذا تراجعت واشنطن عن إعادة حساباتها بشأن المنطقة.
المحصلة أن تغيير السياسة الأميركية تجاه المنطقة أدّى إلى تسارع الأحداث بشكل كبير، إذ لم تفوّت الصين الفرصة لـ”ملء شيءٍ من الفراغ”. وهو الأمر الذي أفزع الولايات المتحدة أيضاً بشأن حليفتها الاستراتيجية “إسرائيل”، إذ خشيت أن يؤدّي النشاط الاقتصادي الصيني المتزايد في الدولة العبرية، في مجالات الموانئ وتحلية المياه والبنى التحتية، إلى تمكّنها من الوصول إلى معلومات أمنية وعسكرية حساسة بفضل اتصالات الجيل الخامس التي تطوّرها الصين وتثير خشية واشنطن في كل مكان.
وذلك بعد سنوات من التعاون العسكري السرّي والعلني الإسرائيلي مع بكين، والذي سبق للصين أن استثمرته في تطوير صناعاتها العسكرية، ما دفع تل أبيب تحت تأثير الضغوط الأميركية المتزايدة إلى إنشاء مجلس لمراجعة الاستثمارات الأجنبية من الناحية الأمنية، الأمر الذي فهم أنه موجّه إلى النشاط الاستثماري الصيني.
وهكذا، ربما تجد إدارة بايدن نفسها مضطرّة لمراجعة توجهاتها العسكرية والسياسية تجاه المنطقة قريبا. وبذلك تكون الصين نجحت في كبح جماح الاندفاعة الأميركية تجاه استهدافها، وأعادت إشغالها بقضايا حلفائها التاريخيين، ومنطقتهم المتوترة، عوضاً عن التفرّغ لمنطقة شرق آسيا، مستعملة الحكمة القديمة التي تجعل الهجوم خير وسيلة للدفاع!
* سامر خير أحمد كاتب أردني
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: